غداً، يسير نحو 5 آلاف فلسطيني من حجراتهم الضيّقة في المخيمات إلى شوارع بلد اللجوء، تحت لواء مسيرة الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية للاجئين. وهي المسيرة التي تنظمها 133 جمعية وهيئة أهلية تحت عنوان «بدنا نعيش بكرامة... لنعود»
راجانا حمية
على حين غفلة، امتلأت جدران مدخل مخيم مار الياس بملصقات مسيرة الحقوق المدنية الفلسطينية، وزاحمت صور الشهداء والبيانات وأعلام فلسطين والفصائل هناك. لا يكاد يخلو مكان منها. ربما، لأنها المرة الأولى لمسيرة مدنية من أجل «الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية» للفلسطينيين. كيفما التفتّ في المخيمات، فلن تجد غير ملصقات: حق العمل والتملّك. وهما الحقّان اللذان سيجمعان، غداً في ساحة المجلس النيابي في وسط بيروت، كل من حُرم إياهما.
غداً، لن تكون الحركة في المخيّمات عادية. سيخرج اللاجئون من غيتواتهم إلى شوارعنا، محملين مطلبين، أثقل الحرمان منهما، الكاهل، ولا يزال. لأجل ذلك ضرب الفلسطينيون موعداً في ساحة البرلمان لتقديم مذكرة تنص على ضرورة تخلي الدولة المضيفة «عن المقاربة الإنسانية التي تنظر إلى اللاجئين بوصفهم مجرد مجموعة بشرية بحاجة إلى الإطعام والإيواء، لمصلحة تبنّي نظرة حقوقية تنطلق أساساً من الحق في الكرامة البشرية الذي تتفرع عنه كل حقوق الإنسان الأساسية». لهذه الأسباب كانت المسيرة، لكن الموعد الذي ضربه هؤلاء ضُرب في لحظاته الأخيرة، وبات ـــــ للأسف ـــــ موعدين. فقد قفز انقسام الفلسطينيين المعهود بين تحالف القوى ومنظمة التحرير إلى الواجهة أمس، وبدل أن يسيروا معاً، سار بعضهم أمس إلى الاسكوا، فيما سيبقى مسير الباقين غداً على موعده.
الخلاف بدأ أخيراً. لا على الحقوق، بل لأسباب لعلّ أهمها ما يشير إليه مسؤول جبهة التحرير الفلسطينية في لبنان محمد ياسين، من «تحفظات وملاحظات على بعض المؤسسات الدولية المشاركة والداعمة للمسيرة». أما السبب الإضافي، أو قد يكون الرئيسي، فهو أن «بعض مؤسسات المجتمع الأهلي تحاول أخذ دور بعض القوى السياسية الفلسطينية لحسابات نفعية»، بحسب ياسين.
لكن لائحة التحفظات لا تقف على ما يبدو هنا، بل تتعداها إلى «بعض منظمي المسيرة»، حسب مسؤول حركة حماس، علي بركة. ولئن كان بركة يرفض ذكر أسماء هؤلاء الأشخاص، إلا أن اسم ساري حنفي الأستاذ المساعد في علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت، وأحد مبلوري الفكرة قبل 6 أشهر تردد بقوة في أوساط المسيرة. من جهة ثانية، نفى بركة نفياً قاطعاً أن تكون حماس قد قبلت المشاركة من الأساس، ويقول: «ليس لدينا مشكلة مع عنوان المسيرة، لكن خلافنا على الداعمين وبعض المنظمين من غير اللبنانيين، ولا نستطيع أن نغطي بعض الناس، فماذا لو تبيّن أن لهم علاقات خارجية غير واضحة، ماذا سيقال عندها عن حماس؟».
لكن، ماذا عن حنفي؟ هل ما تردد عن أنه سبب انسحاب البعض صحيح؟ بداية، يرفض حنفي فكرة حصر المسيرة في إطار سياسي، لكنه بعد هذا التوضيح، يختصر غضبه بكلمة واحدة: «كذابين». أما كيف؟ فيقول: «كل الأسباب التي أوردوها غير منطقية»، مؤكداً أن السبب الرئيسي هو «غياب ثقافة العمل المشترك، فهم لا يعرفون كيف يعملون وفق أجندة مشتركة». يوضح أكثر: «كل الموضوع سياسي، لا يهمهم الوضع المزري للمخيمات، فهم يفضّلون تسجيل نقطة على أن يجتمعوا كفلسطينيين ولبنانيين أيضاً ضد اليمين». أما بالنسبة إلى اعتراضهم على الجهات الدولية الداعمة، فيشير حنفي إلى أن «تمويلنا من جمعية المساعدات الشعبية النروجية والمجلس الدنماركي للاجئين، وهما جهتان تقدمان مساعدات في المخيمات» منذ عقود. أما ما يراه حنفي سبباً إضافياً، فهو «خوف المنسحبين من المجتمع المحلي وحراكه ضمن المجتمع الفلسطيني اللاجئ». لكن الانسحابات انسحبت على «حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي للاعتبارات ذاتها»، يضيف بركة. وقد انسحبت «أمل» لاعتراضها على «إعطاء الكلمة لمفتي منطقة صور»، كما قالت رلى بدران مديرة البرامج في المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان.
مهما تكن أسباب تخلي البعض عن السير في مسيرة واحدة، فإن المنظمين يتوقعون 5 آلاف لاجئ من المخيمات كلها ومن خارجها أيضاً. حشد كافٍ، لكن كان يمكن أن يكون أكبر. وفي هذا الإطار، تشير بدران إلى أن «هذا العدد جيد إن حضر، وخصوصاً في ظل الإمكانات المالية وتكاليف المواصلات»، مضيفة: «حتى لما بدنا نطالب بحقوقنا لازم نحسبها مادياً».
مهما يكن، العدد كافٍ لمرةٍ أولى. لمرةٍ تعدّ قطرة أول الغيث. وهنا، تشير بدران إلى أن «المسيرة لن تقف عند حدود تقديم المذكرة، فهناك حاجة لجعلنا نفكر في كيفية المحافظة على شعبية العمل والاستمرار». المطلب واحد، وهو أنه «لدينا حقوق، ولكي نتمكن من ممارستها يجب أن نطالب بتعديل القوانين». لهذا، كانت المسيرة «التي من الممكن أن تحرك المجتمع اللبناني نحو إرادة سياسية موحدة من جهة، تحيي الشعور لدى الفلسطيني بأنه محروم من حقه»، وعليه أن يتحرك. من هنا، بدأ الحشد عبر «البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي». لكن كل ذلك يحتاج إلى دعم مادي، وخصوصاً أن تكلفة المسيرة بلغت «37723 دولاراً أميركياً، استطعنا توفير 29 ألف دولار منها». وتضم هذه التكاليف «تغطية نفقات النقليات والمطبوعات (10 آلاف دولار) والاتصالات والمأكولات (15 ألف دولار) وتكاليف الاجتماعات واتصالات على مدى 6 أشهر (5 آلاف دولار)». يضاف إلى ذلك رواتب ونقليات منسقي المسيرة الثلاثة (3500 دولار).
يوم غدٍ، ستنطلق الباصات من 7 مناطق: 37 باصاً من الشمال مع تقدير المشاركين بـ1110 و26 باصاً من صور لـ750 مشاركاً و15 باصاً من وادي الزينة لـ250 مشاركاً و30 باصاً من صيدا لـ900 مشارك و10 باصات من البقاع لـ500 مشارك، فيما لم تحدّد عدد باصات صيدا وبيروت، وهما نقطتا التجمع الأكبر.
تجتمع الباصات في المدينة الرياضية، لتنطلق عند الرابعة إلى ساحة المجلس النيابي، حيث الاحتفال المركزي.


مسيرة التحالف

وقف، أمس، نحو 800 فلسطيني في حديقة جبران خليل جبران، تحت لواء مسيرة الحقوق المدنية التي نظّمتها فصائل تحالف القوى الفلسطينية. كان اللافت في تلك المسيرة، التي استبقت مسيرة الجمعيات والهيئات الأهلية، أنها جمعت ما يكفي من الأحزاب اللبنانية والكتل النيابية. وقد ألقت تلك الأحزاب والكتل 5 كلمات، توزعت ما بين كتلة الوفاء للمقاومة والقومي السوري الاجتماعي والجماعة الإسلامية ولقاء الأحزاب اللبنانية، والتحالف التي ألقاها ممثل حركة حماس علي بركة.