هو يشاهد المباراة. بعد ساعات، هو يشاهد مباراة ثانية. هي، تجاريه أحياناً، وتتسلّل عدوى الحماسة إليها بالتواتر. في أحيان أخرى، لا يكون ثمة «هو»، فهناك فتيات ممسوسات بلوثة الفوتبول، على قلّتهن
رنا حايك
قد يرى البعض أن شهر مباريات كأس العالم هو شهر ذكوري بامتياز، نكات كثيرة تُرَوّج بين الناس وعلى الإنترنت عن زوج يعدّد لزوجته وصايا عليها أن تلتزم بها خلال هذا الشهر، يذيّلها بعبارة «بشوفك بعد المونديال». إلا أن الواقع يشير إلى غير ذلك. فعدد الفتيات اللواتي يتابعن المباريات ليس بقليل. في المقاهي، تراهنّ «يهيّصن» أكثر من الشباب أحياناً. بعضهنّ مفتون باللعبة، يعرفن أصولها، يمارسنها حتى في أندية، ويتفوّقن على بعض الشباب في المعلومات التي اكتسبنها عن كل فريق فيها، وعن كل لاعب.
«هناك نظرة عنصرية تجاهنا»، تقول ديما، التي ما إن «تجود» في حديث عن كرة القدم أمام شاب تلتقيه لأول مرة وسط زمرة من الأصدقاء حتى يُستفَز من معلوماتها الكثيرة عن اللعبة ولاعبيها، فقط لأنها فتاة. «أواظب على حضور كأس العالم وكأس أوروبا وأميركا الجنوبية والدوري الإسباني والإنكليزي منذ أن كنت في سن الحادية عشرة من عمري». تقول ديما، التي لا تفوّت أي مباراة «ولو كانت بين غانا والكاميرون». تعشق اللعبة، وتحفظ أسماء كل اللاعبين، وكل الفرق، وأحبها إلى قلبها الأرجنتين، كما قد سبق لها أن فضّت ارتباطها بشابين أزعجها جداً عدم اهتمامهما بكرة القدم، بينما ترى أن من لا يشاهدون سوى المباريات النهائية «يسيئون إلى اللعبة، لأنهم لا يفقهون منها شيئاً، بل يجارون الأجواء فحسب، وخصوصاً في حالة الفتيات، حيث تصبح جغولية صبيان الطليان أو الإسبان أسباباً لمتابعة اللعبة!».
فبعض الفتيات تجذبهنّ الأجواء الحماسية فحسب. هذه الفئة لا تعرف الكثير عن أصول اللعبة، وقد «تقرع راس» من يجلس إلى جانبها من أصدقاء شباب متجمّعين في حانة مكتظة لمشاهدة إحدى المباريات، بأسئلة بديهية عن ضربة ركنية أو تسلّل أو بطاقة صفراء احتسبها الحكم. هذه الفئة، رغم عدم درايتها بقواعد اللعبة، إلا أنها حتماً «سيد» المتمكّنين من قواعد الحماسة التي تستتبعها. وهذه الفئة، تشاهد المباراة بـ«أمومية». فاللاعب الذي يقع يكون «يا دلّي أنا عليه» والفرحة التي يجلبها انتصار فريق لا تمرّ من دون بعض الحسرة على الفريق الذي، «يا حرام»، خسر في مقابله. يضفي الحضور النسائي لمسة من الأنسنة على لعبة شروط الربح والخسارة فيها شديدة الشراسة. طبعاً، هي «حركات» قد تغيظ الشباب، لكنها لا تنفصل عن طبيعة البنات «ألطف الكائنات».
في حالات أخرى، قد تتحول مباريات كأس العالم إلى مساحة ملائمة لتصفية الحسابات. هكذا، تسأل فتحية، الخادمة الإثيوبية الجنسية، مستخدمتها اللبنانية قبل كل مباراة: «مدام، إنت مع مين؟». وطبعاً، تصطفّ إلى جانب الفريق الذي يلعب ضد فريق «المدام»، أيّاً كان، حتى ولو صودف أن المدام تشجّع فرقاً أفريقية في مواجهة فرق أوروبية تصبح فجأة من أعزّ أحباء فتحية بدل أن يحظى أبناء جلدتها على تشجيعها. طبعاً، تنسحب تصفية الحسابات تلك على شابة «منرفزة» من حبيبها وتريد أن تغيظه. «هاي أحسن طريقة تحرقصه» تقول ندى، فهنا، المناكفة مشروعة.



تشجّع لينا سحّاب (الصورة) الفريق البرازيلي. لماذا؟ «ولو! كابتن ماجد كان مدرّبه برازيلي». المسلسل الذي «ربينا عليه» ليس السبب الوحيد في عشقها للفوتبول، فقد كانت تمارس تلك اللعبة سابقاً مع الفتيان في عائلتها، لكن «بطّلت لما شحطوا خالي من البيت اللي كان قدامه ملعب».