النظرية العنصرية راجحة
زينب زعيتر
لم تُحسن ماليكا العاملة الإثيوبية كيّ القميص، فعمدت سلمى صاحبة المنزل إلى إحراق يدها بالمكواة. لم تحرّك وكالة الاستقدام ساكناً، ولم تُقم أية دعوى قضائية لأنّ «زوج صاحبة المنزل» رجل ذو مركز. أمّا رانيا فتقفل المنزل بالمفتاح لدى خروجها وتبقى روفيتا العاملة الفيليبينية في الداخل، وعندما تسألها جارتها ماذا لو شبّ حريق في المنزل، يأتي الجواب «لا تقلقي، هؤلاء العاملات مثل القرود لا يصيبهم أي مكروه». أتت هذه الشهادات على ألسنة «أصحاب العمل» خلال المقابلات النوعية والكميّة التي أُجريت مع عيّنة من مشغلي عاملات أجنبيات (أي أصحاب المنازل) خلال الإعداد للدراسة التي أعدتها الباحثة سوسن عبد الرحيم تحت عنوان «خادمة في المتناول، ابنة أم عاملة؟ مواقف أرباب العمل اللبنانيين من عاملات المنازل الأجنبيات»، ضمن مشروع «لا لاستغلال عاملات المنازل الأجنبيات» الذي تنفّذه منظمة «كفى» بالشراكة مع المجلس الدنماركي للاجئين وبدعم من المركز الدنماركي للنوع الاجتماعي والمساواة العرقية. الهدف من الدراسة تسليط الضوء على نظرة اللبنانيين، وتحديداً أرباب العمل، تجاه العاملات في المنازل. سعت الدراسة إلى الابتعاد عن القضايا المتعلقة بالعنف الجسدي والنفسي والانتقال نحو دراسة تبرير أصحاب العمل اللبنانيين مواقفهم التي تُعدّ معيارية أو حتّى ضرورية من أجل حماية أنفسهم وحماية عاملات المنازل.
طرحت استمارة المسح على أصحاب العمل أسئلة، منها: على أي أساس تُوصف معاملة العاملة بالجيدة أو بالسيئة؟ ما هي التحديات التي واجهتموها خلال توظيفكم لعاملة أجنبية؟ ما هو رأيكم إذا طلبت العاملة أن تتزوج وتذهب نهار كل أحد إلى منزل زوجها؟ هل توافقون على خروج العاملة في إجازة خارج المنزل وحدها؟ ما هي الأسباب التي تدفع بالعاملات إلى الانتحار؟
خرجت الدراسة بمجموعة من النتائج، من بينها أنّ الانتهاكات الصارخة لحقوق عاملات المنازل، مثل حجب رواتبهن، وحرمانهنّ الطعام تكاد تكون مرفوضة بشبه الإجماع من اللبنانيين. لكن في المقابل، ثمة قبول كبير للممارسات التي تمثّل انتهاكاً لا يقلّ خطورةً لحقوق عاملات المنازل، مثل مصادرة جواز سفر العاملات، ومنعهنّ من الخروج بمفردهنّ واحتجازهنّ داخل المنزل. أو لنقل إن هذه الممارسات تُجابه بأقلّ قدر من الرفض. يستند أصحاب العمل إلى حجة حماية عاملات المنازل وحماية أنفسهم من التعرّض للمسؤولية. ويعترف معظم أصحاب العمل بأنّ السياسات غير الملائمة تُسهم في ضعف وضع العاملات الأجنبيات وزيادة سيطرة أصحاب العمل.
لكن هل تكفي النقاشات والمقابلات ونتائج الاستمارات التي لم توزّع على كل المناطق اللبنانية للخروج بهذه النتائج؟ فالعينة كان عديدها قليلاً؛ نظراً إلى عدم شموليتها. وقد ارتكزت الدراسة ـــــ في ما ارتكزت ـــــ على 4 جلسات نقاش ضمن مجموعات نسائية تضمّ كل واحدة منها ست نساء. أمّا إشراك رجال في النقاشات، فكان صعباً جداً وأُجريت فقط 7 مقابلات إفرادية مع الرجال، إضافة إلى ست مقابلات مع أصحاب وكالات الاستقدام. أمّا بالنسبة إلى الاستمارات، فجرى ملء 102 استمارة مسح مع الرجال والنساء. واقتصر المشاركون على 3 مواقع هي: مكتب العمال المهاجرين في وزارة العمل، وسط بيروت، ومجمّع السيتي مول. تؤكّد الباحثة عبد الرحيم «نسعى مع منظمة «كفى» إلى العمل على دراسة أوسع تشمل كل المناطق اللبنانية». تتابع عبد الرحيم قائلة إن «الدراسة خطوة أولى نحو التغيير لن تكون وحدها كافية، والمطلوب هو عمل لجنة فيها ممثلون عن وزارة العمل، وناشطون في مجال حقوق الإنسان، إضافة إلى عدد من العاملات الأجنبيات، للدفاع عن العاملات في المنازل، وللعمل على تغيير القوانين والنظرة السائدة تجاه العاملات، فيمثّل هذا الأمر عامل ضغط على أصحاب القرار من أجل التغيير».
ترى غادة جبّور، من منظمة «كفى»، أنّ الهدف من الدراسة هو تغيير العقلية السائدة في المجتمع تجاه العاملات، وإيقاف النظرة العنصرية بحقهن، إضافة إلى السعي إلى تغيير القوانين بما يتناسب مع أصحاب العمل والعاملات. «نريد أن نصل إلى تعميم نتائج الدراسة، لكي يشعر كل مواطن لبناني بأنّه يهتم بحقوق العاملات، وأن يعرفوا أصلاً أنّ لديهنّ حقوقاً، لبناء رأي عام مناهض للعنف الممارس بحق العاملات الأجنبيات».
من النتائج التي خلصت إليها الدراسة، والتي تنمّ عن وجهة نظر أصحاب العمل: 83% من أصحاب العمل يوافقون على وضع سياسة لتحديد حد أدنى للأجر الذي يوجب على صاحب العمل أن يسدّده إلى العاملة، و61% يوافقون على وضع سياسة لتحديد الحد الأقصى لساعات العمل. وهذا من شأنّه أن يخلق عنصر مساواة بين جميع العاملات، فلا تتقاضى العاملة الفيليبينية أجراً أدنى من العاملة السريلانكية.
وتأتي نسبة الموافقة على الأمور التي تحمي أصحاب العمّال عالية جداً، إذ يرفض 47% من أصحاب العمل وضع سياسة تلزم أصحاب العمل بيوم إجازة. ويأتي الاتفاق 88% على أنّه يجدر بصاحب العمل أن يحتفظ بجواز سفر العاملة الأجنبية. و90% يوافقون على أنّه يجوز لصاحب العمل أن يطلب ساعات إضافية من العاملة عندما تدعو الحاجة.
40% من أصحاب العمل يتفقون على معاملة العاملة كفرد من العائلة، و82% يرون أنّ الحكومة يجب أن تقوم بدور أكثر فاعلية في تطبيق القوانين لحماية كل من أصحاب العمل والعاملات الأجنبيات، بينما يرى 16% فقط من أصحاب العمل أنّه لا يجدر بالحكومة تولّي إنفاذ القوانين، لأنّ العلاقة بين أصحاب العمل والعاملات هي علاقة خاصة. 35% من أصحاب العمل يجدون أنّه لا يجدر بعاملات المنازل أن يحصلن على أي يوم استراحة.
أمّا نتائج الممارسات من أصحاب العمل إزاء عاملات المنازل الأجنبيات، فجاءت الإحصائيات على النحو الآتي: 46% من أصحاب العمل يرفضون أن تجلس عاملة المنزل لتناول الطعام مع العائلة، وفي هذا درجة عالية من الممارسة العنصرية اللبنانية. 99% منهم يوافقون على أن العاملة يجب أن تتناول من طعام العائلة نفسه. 88% من أصحاب العمل يرون أنّه إذا حملت العاملة بطفل أثناء وجودها في المنزل، فعلى صاحب العمل أن يعيدها إلى بلدها ويوظّف عاملة أخرى.
أما الأسباب الكامنة خلف احتجاز صاحب العمل عاملة المنزل داخل البيت فكانت على الشكل الآتي: 35% من أصحاب العمل وجدوا أنّ العاملة قد تهرب في حال عدم إقفال الباب عليها، و83% أعطوا الحجّة بأنّها قد تفتح الباب للغرباء الذين قد يؤذونها، و48% وجدوا أنّها قد تدخل رجلاً إلى البيت، و3% فقط قالوا إنّهم يحمون منزلهم.


دليل إرشادي