الجيش سمح للناس بالدخول للمرة الأولىنهر البارد ــ روبير عبد الله
مع أنهم رأوا كل أصناف الدمار والخراب منذ نكبتهم «الصغرى»، كما يصفون حرب الدولة اللبنانية ضد ميليشيا «فتح الإسلام» التي كانت متحصّنة في مخيمهم، ومع أنهم علموا أن بيوتهم دُمرت بالكامل في تلك الحرب، وان حجراً لم يبق فيها على حجر، فإنّ «ابو مهند»، ابن السبعين عاماً، لم يتمالك نفسه حين وقف فوق كومة ردم كانت ذات يوم الساحة التي يوقف فيها سيارته أمام منزله، فإذا بالدمعة تخونه وتفرّ من عينه. كأنه فوجئ بحجم الدمار، او كمن كان يداعب أملاً خفياً بأن يكون القدر قد وفّر ولو جزئيّاً بعض ما في البيت على الأقل. إلا أن الأنقاض كانت أصدق إنباءً من آماله. هكذا، وقف. نظر حوله، قلّب بعض الأحجار. كان أكثر من حزين لهول ما رآه. لكنه، فجأةً كمن وجد شيئاً يتمسك به قال لنا: «حاولوا إقناعي بشتى الوسائل بالتخلي عن فكرة العودة إلى المخيم، لكنهم فشلوا». دخل الرجل منزله المتصدع من الجهة اليمنى، إذ لم يعد للمنزل أبواب. فالمداخل سانحة من كل الاتجاهات. ما من جدار صالح للترميم، أكوام الركام مجمّعة داخل ما يشبه الغرف. أثاث البيت بات مزيجاً من القماش والأخشاب أو الصفائح المعدنية. الأشياء المنثورة الواضحة بين الركام هي فقط صناديق الرصاص الفارغة، ومستوعبات قذائف «ب 7». ينهر أبو مهند أحد الأولاد، الذي كاد يصيبه بقضيب حديد كان يفر به، قبل أن يسبقه أحد الصبية، الذين واكبوا دخول الأهالي بأعداد هائلة إلى البرايم المذكور. لم يتجمّعوا للفرجة أو للّعب، بل لممارسة مهنة استجدّت منذ تدمير المخيم، وهي جمع الخردة، وخصوصاً الحديد، تمهيداً لبيعها لتجار الجملة.
الحاج رشيد وهبة، وهو من تجار المخيم الميسورين، وقف ايضاً على الأطلال. ليست أيّ أطلال بل منزله ومتجره، باب رزقه. وقف حائراً كمن ينتظر شخصاً قادراً أو ذا سلطة ما ليشكو له. أيّ عابر سبيل. ليس الفقر وضيق ذات اليد والحيرة بالمستقبل المادي ما كان يؤرّق التاجر. فهو لا يعاني أوضاعاً مادية صعبة تعوق إمكان السكن والعيش الكريم في مكان آخر. كل ما هنالك أنّ ثمّة غصة في حلقه. هل هو مشهد أشيائه المنتهكة والمعروضة هكذا لكل عين؟ لا نعرف. لكن بسؤال أبو وسيم الغريب، مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المخيم عن سبب تعلّق الناس لهذه الدرجة، ورغبتهم في العودة إلى تلك البيوت المدمّرة، علماً بأنّ الكثيرين منهم تدبّروا أمرهم لثلاث سنوات في مساكن ليست أكثر سوءاً مما ينتظرهم، أجاب إنّ المخيمات الفلسطينية، وخاصةً منها مخيم نهر البارد، هي مخيمات العودة إلى فلسطين، هي الكيانات الاجتماعية والسياسية التي تطمئن الفلسطيني إلى حاضره، وإلى شيء من مستقبله. يضيف الغريب إنّ بعض الميسورين بإمكانهم تملّك شقق فخمة، أو إشغالها على الأقل (حتى لا نقع في إشكالية حقوق الفلسطينيين في التملّك) ومع ذلك يفضّل هؤلاء البقاء إلى جانب أهلهم وإخوانهم في المخيم، وليست تسمية مناطق المخيم وأحيائه بالصفوري وسعسع والدامون إلّا للدلالة على رمزية المخيم بصفته كياناً فلسطينياً مؤقّتاً على طريق العودة إلى فلسطين. وبينما كان الناس مشغولين بتفقّد منازلهم، كان يُعقد لقاء موسّع في المخيم لمناقشة المساعدات المتعلقة بترميم المنازل المتضررة في البريمات في الساعة الحادية عشرة. وقد حضر اللقاء مستشار الحكومة الفني ساطع أرناؤوط، وفادي عرموني عن صندوق المهجرين، وممثل عن الحكومة الإيطالية، ومن الجانب الفلسطيني مسؤول ملف نهر البارد مروان عبد العال، وممثلو اللجنة الأهلية والفصائل الفلسطينية والأهالي المستفيدون من المنحة الإيطالية. وبحسب مسؤول الجبهة الشعبية في الشمال عماد عودة فإن المساعدات تشمل تعويضات بقيمة خمسة ملايين يورو توزّع على ثمانمئة منزل متضرر، وفق تقدير شركة الخطيب وعلمي. والتعويضات تغطي سبعين بالمئة من كلفة الترميم، سواء كان جزئياً أو كلياً. أما المنازل المهدمة كلياً، يضيف عودة، فتلك مسألة تنطوي على إشكالية قانونية، تتمثّل في إثبات وجودها من عدمه، بسبب عدم حيازة الفلسطينيين أوراقاً ثبوتية تظهر ملكياتهم العقارية.
وفي سياق آخر عقد المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم (الأونروا) فيليبو غراندي، ظهر أمس مؤتمراً صحافياً، في مقر الأونروا في بئر حسن.
أشار غراندي إلى «أنّ أحد أهداف زيارته لبنان، التي تستمر يومين، هو الذهاب الى مخيم نهر البارد للاطلاع على الأعمال الجارية هناك، من حيث إعادة إعمار المخيم، والتحقّق من التقدم في أعمال الإعمار»، آملاً «إعادة قسم من السكان الى المخيم قبل نهاية العام الحالي».
ولفت الى أن «النقاشات جرت مع المتعهدين للإسراع في عمليات البناء»، معتبراً أن «الأمور تجري بالشكل الصحيح».
وأكد «أنه حضر الى لبنان بعد الجدل الذي حصل بشأن إعطاء الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين»، داعياً لبنان الى «توفير هذه الحقوق للشعب الفلسطيني، ولا سيّما حق العمل».
ورأى «أن من مصلحة لبنان ضمان مجتمع فلسطيني مستقر»، لافتاً إلى «أنّه لا علاقة لهذا الأمر بالتوطين».
وتطرق الى حصار غزة، فأشار الى «أن الوضع الإنساني داخل القطاع مقلق للغاية»، آملاً «أن يُرفع الحصار عن غزة قريباً، وخصوصاً بعد الضغط الدولي».
وتحدث عن «التراجع في تمويل الأونروا والصعوبات المالية التي تواجهها، من حيث المساعدات من الدول المانحة، التي لم تفِ الكثير منها بالتزاماته تجاه الأونروا، وخصوصاً في ظل الأزمة المالية العالمية»، معتبراً «أنها لحظة صعبة تمر بها وكالة الغوث من الناحية الماديّة».


مهلة إسقاط أم حثّ؟