يهتمّ كثيرون بكرة القدم، لكن ليس كما يهتمّ بها محمد هاشم. بالنسبة إلى الشاب الكفيف، هي طفلته المدلّلة. أدمنها منذ الطفولة، حتى بات موسوعة كروية بمعلومات كوّنها عنها عبر تقنية الـ«برايل»

محمد محسن
«أعيش في ذلك العالم من الألوان، وإذا تحدّثت عن عماي المتواضع، فأولاً لأنّه ليس بالعمى المطلق الذي ‏يتخيّله الناس، وثانياً لأنه يتعلق بي. حالتي ليست درامية بشكل خاص، إنه هبوط بطيء لليل». هذا ما قاله الروائي الأرجنتيني خورخي بورخيس، في وصفه لطفل مكفوف، يجلس على كرسيّ في الحديقة مستسلماً لتأمّلاته الطريّة. ليس محمد هاشم روائياً كبورخيس، لكنّه كالطفل الذي في نصّه، وُلد شبه كفيف، بالكاد يرى اللون وحدود الشّكل، لكنه لم يستسلم لـ«دراما» المرض. أكثر لون يحبّه هو الأخضر، لون عشب الملاعب العالمية، وأجمل صوت يطربه هو كلمة «goal» بلسان معلّق محترف. تغريه كرة القدم قبل أيّ شيء آخر. معجب بمبدع أرجنتينيّ آخر غير بورخيس. دييغو مارادونا. يدرك من يجالس محمّد أنّه أمام موسوعة كرويّة من الطراز الرفيع. الشاب الذي بلغ من العمر 20 عاماً، «مدمن» كرة قدم منذ عام 1997، يوم «كنت نجماوياً للموت»، يقول. لكن نظره الضعيف حال دون شغفه بالكرة. «كنت أرى بعين واحدة لكنّها تعطّلت في طفولتي، قبل أن أجري عملية جراحية عام 2006 أعادت النظر إلى عين واحدة، وبشكل طفيف»، يقول.
يعامل محمد طابعته بلغة الـ«برايل» بمثابة حبيبة تحفظ أسراره. تلازمه مع كل مباراة. بدأت المباريات العالمية للمنتخبات والفرق تحتلّ حيّزاً من اهتماماته منذ 8 أعوام تقريباً. الحصيلة: موسوعة كرويّة كتب محمد أسئلتها وإجاباتها بلغة الـ«برايل». بلغ عدد أسئلتها أكثر من 3 آلاف سؤال، يحفظ محمد أكثر من 2700 إجابة عنها. يصطحب من غرفته 8 مجلّدات ضخمة. يحتضنها كأب يضمّ ابنته في طفولتها. خصّص جزءاً منها لأسئلة عن كؤوس العالم منذ بدايتها عام 1930، وقسماً آخر للبطولات العالميّة ككأس أبطال أوروبا، وكأس القارات. لكنّه ينوي بعد المونديال أن يدمج الأسئلة «لتصبح متنوّعةً أكثر»، يقول.
يقرأ بأصابعه بعض الأسئلة والأجوبة التي تلفت دقّتها وتطرّقها إلى أمور كروية، لا يفقهها إلّا المتخصصون والخبراء في هذه اللعبة: ما اسم ملعب فريق تشلسي الإنكليزي؟ ما هو أول فريق لعب معه الإيطالي سيرجيو بلاسيو؟ كم يبلغ طول اللاعب الروماني أدريان موتو؟. هكذا، لا يبدو قول محمد «إنّ كرة القدم هي كلّ شيء في حياتي» مبالغاً فيه. تشغله التفاصيل الصغيرة في المباراة قبل الأهداف. المعلومات عن تاريخ المونديال وتواريخ البطولات العالمية الأخرى تغريه كثيراً «ثروة مهمة أسجّلها عندي فوراً. «التاريخ مهم جداً لتحليل المباريات ودراسة أوضاع المنتخبات والفرق» كما يقول محمّد. ماذا عن موسوعته ورغبته في نشرها؟ الجواب لا يدعو إلى التفاؤل. ليس لأن محمّد غير مهتم لأمر إنجازه، بل لعدم وجود دار نشر مستعدّة لتبنّي موسوعة محمد ونشرها، فيما نشرها على نفقته مستحيل لأنّ «الوضع المادي للأهل لا يسمح بهذا» يقول. على الرغم من ذلك، لا يبدو محمّد يائساً «حلاوة أسئلة كرة القدم أنّها لا تنتهي، ودائماً فيها الجديد الذي يكبّر موسوعتي. سيأتي يوم أطبعها فيه وأنشرها» يقول بثقة. مردّ هذه الثقة في حديثه، يعود إلى تحدّيات عاشها منذ بداية اكتشافه لهوايته «كانوا يقولون لي إنّ هوايتي مضيعة وقت، وإنّ موسوعتي ليست مهمّة». أعار محمّد الأذن الصّماء لانتقادات محيط أصبح اليوم يعدّه مرجعاً في كل تفاصيل كرة القدم. في بدايات ممارسته لهوايته، تأثّر محمد بالمعلّق المصري أحمد

ألّف الشاب موسوعة تحوي 3000 سؤال في كرة القدم

الطيّب «حين أسمعه أشعر بأنني على أرض الملعب مع الفرق المتنافسة. معلوماته مهمّة، كذلك أنا معجب بمعلّق قناة الجزيرة عصام الشوّالي والإعلامي الرياضي في القناة حسين ياسين» يقول محمد. لحسن حظّه، بدأت فعاليات المونديال بعد انتهاء عامه الدراسي في «مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصريّة». لكنّ أعوامه الدراسية السابقة لم تنجُ من بعض الخروق. يدّعي المرض للبقاء في البيت ومشاهدة مباريات مصيرية في البطولات. فمنذ عامين مثلاً، تغيّب عن الدراسة يوماً لمتابعة مباراة الأهلي المصري وباتشوكا المكسيكي.
مصادر معلوماته الكروية كثيرة: المعلّقون، استديوهات التحليل، الأفلام الوثائقيّة عن ماضي كرة القدم. أثناء المباريات يصبح محمد «ديكتاتور» البيت. الضجّة ممنوعة، والتركيز على أمرين: مجريات المباراة وطابعة الـ«برايل». ينتظر المعلومة كما ينتظر المدرّب أن يسجّل فريقه هدفاً. وحالما ينطق بها المعلّق يطبعها. يعيد بعد المباراة قراءة الصفحات التي سجّلها، وهكذا يحفظ المعلومة «إمّا عبر سماعها تكراراً من المعلّقين، أو عبر قراءتها وإعداد الأسئلة بشأنها». ومع أنّه متخرّج في اختصاص «البيع والعلاقات العامة»، تبقى كرة القدم طموحه الأبرز. تدغدغ المشاركة في الإعلام الرياضي أحلامه. لا فرق عنده في الوظيفة ما دامت كرويّة «في المونتاج أو في إعداد الإحصاءات وجمع المعلومات عن اللاعبين وفرقهم، أو حتى في التحليل. أحب العمل في الصحافة الرياضية» يقول. أرجنتيني الهوى، ولاعبه المفضّل حالياً هو «خافيير زانيتي، الخلوق الذي شارك في 137 مباراة دولية حتى الآن». أمّا توقّعاته لكأس العالم، فـ«الأرجنتين قوية لكن دفاعها ضعيف، البرازيل يُحسب لها حساب، أمّا الطليان، فعودّونا على مفاجآتهم».


أرشيف موثّق هدف بهدف

يمارس محمد هاشم (الصورة) رياضة كرة القدم، لكن افتراضياً. يجري ذلك عبر ألعاب الفيديو على الحاسوب أو «البلايستايشن». يتصدّر لائحة اللاعبين على الحاسوب في بطولة تضمّ أكثر من 20 فريقاً عالمياً.
كذلّك يسجّل يوميّاً جميع نتائج مباريات كأس العالم مع أسماء الهدّافين، توقيت الأهداف، وعدد البطاقات الصفراء والحمراء، ليستنتج «أخشن مونديال، البطاقات الحمراء في الدور الأول كثيرة».