أصيب جورج برصاصة رجل أمن أدّت إلى شلله. القاضي يرفض إخلاء سبيله ليُنقل إلى مركز علاج فيزيائي والدولة تتنصّل من تكلفة الدواء، أما والدته فتمسح دموعها وتسأل: هل أُقبّل أقدامهم؟
رضوان مرتضى
يرقد جورج مخايل الخوري بلا حراك في مستشفى تنورين الحكومي منذ نحو شهرين. يعاني من شلل نصفي ومن مشكلات في الجهاز الهضمي، بالإضافة الى نزف داخلي إثر إصابة الكبد بشظايا عظم نتيجة رصاصة، أطلقها أحد مجنّدي مكتب حماية الآداب عليه أثناء توقيفه، اخترقت عموده الفقري واستقرّت في القفص الصدري.
لكن، بغضّ النظر عن ملابسات التحقيق الذي فُتح مع عنصرَي دورية حماية الآداب لجهة تحديد المسؤوليات، فإن جورج ووالدته وأطفاله الخمسة يعيشون معاناة مستمرّة منذ ذلك الحين. معاناة هذه العائلة المنكوبة لا تُختصر بشلل ابنها المعيل نتيجة حُكم نفّذه مجنّد بحقّه قبل جلبه الى المحاكمة، فبحسب أقوال الوالدة التي حملت دموعها وشكواها عبر «الأخبار»: «تنصّلت الدولة من واجبها الذي يقتضي معالجة ابني الذي سبّب أحد رجال دركها مصيبته» تقول الوالدة المفجوعة وتضيف، «أرى ابني يموت كل يوم أمام عينيّ وأنا لا أستطيع له شيئاً». تتحدّث الوالدة عن كلفة دواء باهظة، يحتاج إليه جورج في علاجه، ذاكرة أنها دفعت حتى اليوم نحو عشرة ملايين ليرة ثمن أدوية لابنها. وتشير الوالدة الى أن هذه الأدوية ليست متوافرة على نفقة وزارة الصحّة، لافتة الى أن ثمن أحدها يتخطّى ثلاثة ملايين ليرة.
والدة جورج تسأل «أين سيخضع ابني للعلاج الذي لا أملك ثمنه؟»
كلفة الدواء الذي لا تقوى هذه الأرملة، كما تُسمّي نفسها، على تأمين ثمنه، ليست معاناتها الوحيدة. فهناك كلفة العلاج الفيزيائي الذي يجب أن يخضع له ابنها فور خروجه من العناية المركّزة، والذي يتخطى مليوناً ونصف مليون ليرة في الشهر الواحد، علما بأن هذا العلاج طويل الأمد. وتشير الوالدة الى أنها قصدت مركزاً للعلاج الفيزيائي تابعاً لوزارة الشؤون الاجتماعية، لكن المسؤولين فيه أخبروها بأنه لا مكان لابنها في مركزهم لأنه ممتلئ. تقول الوالدة والغصّة تخنقها: «أين سيخضع ابني للعلاج الذي لا أملك ثمنه» وتذكر «لقد رفض القاضي إخلاء سبيل ابني المشلول». ليست المشكلة في الشكل، فرفض إخلاء السبيل يمنعها قانونياً من نقل ابنها الى أي من مراكز العلاج الخاصّة لأن حريّته بيد الدولة. تتحدّث الوالدة عن مبلغ قليل من المال موجود في حساب جورج المصرفي، فضلاً عن سيارته. تقول إنها أرادت بيعها لدفع جزء من تكاليف العلاج، فأرادت استحضار كاتب عدل لكي يجري لها ابنها وكالة عامة، لكنها فوجئت بأنه ممنوع من ذلك. فعدم موافقة القاضي على طلب إخلاء سبيل جورج تعني أن الموقوف ليس حرّ التصرّف بأملاكه، وبالتالي لا يمكنه التوقيع على أي أوراق قانونية.
وعلمت «الأخبار» أن إحدى الموقوفات ذكرت اسم جورج أثناء التحقيق معها، لكنها ما لبثت أن تراجعت عن إفادتها. وأشارت الموقوفة المذكورة الى أن الأسماء قد انتُزعت منها تحت وطأة الضرب، لكن جورج الخوري كان قد أصبح مطلوباً للعدالة تحت مسمّى العطف الجرمي.
وذكر مسؤول متابع للتحقيق جزءاً من الرواية، فقبل نحو شهرين، لمحت دورية من مكتب الآداب جورج الخوري داخلاً الى أحد الفنادق في طبرجا. ذكر رئيس الدورية والمجند الذي كان بإمرته خلال التحقيق أن جورج كان برفقة امرأتين، لكن جورج نفى. اعتبرا أنه يجب توقيفه بشبهة تسهيل الدعارة، فضلاً عن أنه مطلوب بالعطف الجرمي المذكور. اعترضا طريقه فتعاركوا في ما بينهم. استطاع جورج الإفلات، لكنه ما إن همّ بالهروب حتى بادر المجند الى إطلاق النار عليه فأصابه في ظهره.
سقط جورج أرضاً بعدما أصابت الرصاصة الفقرة الثانية عشرة من عموده الفقري فأدّت الى شلله.
جورج اليوم طريح الفراش بلا حراك. مشلول برصاصة «ابن دولة»، لكنه موقوف في عهدة أجهزتها الأمنية، أفلا يُحتّم ذلك عليها أن تقوم بواجبها الإنساني والقانوني فتتكفّل بكل نفقاته؟