ضاقت الدنيا في الضاحية الجنوبية بمركز للدفاع المدني في حارة حريك، فلجأ، كالمتشردين، تحت جسر الحازمية ــــ طريق المطار قرب طلعة المهنية العاملية. وفيما ينتظر المشردون نجدة الناس، فإن فريق المركز المكوّن من 12 متطوّعًا، يهب لنجدتهم متجاوزًا حدود الجغرافيا
منهال الأمين
لا يخلو مركز الدفاع المدني في حارة حريك من المتطوعين الإثني عشر، يتناوبون على الخدمة تحسبًا لأي طارئ. لا يعكر صفو المكان إلا أصوات السيارات والشاحنات التي تمر فوق رؤوسهم على جسر جادة الشهيد عماد مغنية، ذهاباً وإياباً، فكل شيء مؤمّن: تلفزيون وستلايت، براد، غسالة، كمبيوتر، إضافة إلى طاولة بينغ بونغ «تقطع أوقات الجهوزية بالتسلية»، كما يقول أحد المتطوعين.
وبحسب مصدر واسع الاطلاع رفض ذكر اسمه، «فقد كان للمركز دور بارز خلال حرب تموز 2006، وبعده صار العبء أكبر، كونه يغطي منطقة مكتظة بالسكان من حارة حريك وصولاً إلى عاليه»، بسبب قصور مراكز تلك المناطق.
وهذا المركز يعد «مكانًا مثاليًا»، بحسب «الداعم الرئيسي لاستمراره»، أي نائب رئيس بلدية حارة حريك أحمد حاطوم حسب ما يصفه العاملون، الممتعض من الاعتراض على مكانه ومن «بقاء الاتفاق على إنشاء المركز منذ البداية مجرد كلام نظري».
فبعد إقرار إنشائه في عام 2004، «استأجرت البلدية على عجل مكاناً خلف كنيسة حارة حريك، لإقامة العناصر وإيقاف الآليات برغم العوائق القانونية التي تمنع البلدية من إبرام عقود استئجار».
إلا أن المكان بعد 3 سنوات أصبح غير ملائم، بسبب تململ الأهالي وتزايد السكان والسيارات في المنطقة، إضافة إلى مدّ وزارة الداخلية المركز بآليات إضافية نظرًا لاتساع رقعة مهمّاته»، هنا «لجأت البلدية ــــ يضيف حاطوم ــــ إلى «حل» على قاعدة «شو اللي جبرك عالمر؟»، فانتقلت آليات المركز، وهي عبارة عن إطفائية وجرافة وونش و3 إسعافات، إلى المقر الحالي تحت الجسر، فيما بقي العناصر في المركز القديم. ولكن برزت عقبات ميدانية، وخصوصًا أثناء الحالات الطارئة، لناحية انتقال المتطوعين بين مركز إقامتهم، ومكان الآليات، إضافة إلى تعرّض هذه الآليات للسرقة والتخريب بسبب غياب الحراسة، فكان أن ابتكرت البلدية حلاً آخر قضى بالتحاق العناصر بآلياتهم، من خلال تأمين هنغارين بحالة جيدة للمنامة والجلوس.
ويعترض حاطوم على منتقدي مكان المركز «فمن يحتج إلى النار يحملها بيده»، مشيرًا إلى أن «اللجوء إلى الجسر مردّه انعدام الخيارات البديلة، كما أنه بعد تجهيز المركز أصبح مقبولاً، إضافة إلى توفير إيجار المركز لمصلحة العناصر ومتطلباتهم». ويشدد على اعتبار المركز «من أكثر مراكز المديرية تجهيزاً»، ويعزو سبب حماسته الشخصية إلى «الجهد الكبير الذي بذله عناصره، وخصوصًا خلال حرب تموز وبعدها، حين أصبحت المنطقة منكوبة».
وهو يرى بناءً على الإمكانيات المتوافرة ومشكلة التوظيف «أن وجود هؤلاء العناصر النشطين تحت الجسر إنجاز بحد ذاته». إلا أن هذا لا يمنع البلدية من التفكير في بديل لائق «ندعو أهل الخير لتأمين قطعة أرض نستأجرها لعشر سنوات، تستوعب منشأً محدودًا لإقامة العناصر، ومكانًا فسيحًا لمواقف الآليات، وهذا برأينا أفضل».
لا يقبل حاطوم التقليل من أهميّة دور وزارة الداخلية ومديرية الدفاع المدني في ما يجري، «خصوصًا بعد حرب تموز»، ولكنه يشدد على أنه «إذا تخلى كل الناس عن المركز فنحن لن نتخلى عنه، من زاوية الحاجة المؤكدة لوجوده». ويعتب على الدولة التي «تريد لهؤلاء الشباب أن يعيشوا على الصدقات»، فواحدهم «طبيب يداوي الناس وهو عليل»، مطالباً الحكومة بتحمّل مسؤولياتها تجاه هؤلاء «الجنود المجهولين، ولا نعرف قيمتهم إلا حين نحتاج إليهم، وهم أولى الناس بتأمين رواتب ثابتة وضمان صحي، إذ يقتصر الأمر على هبات ومساعدات من هنا وهناك تقدمها لهم البلدية، وتأمين استشفاء خفيف ولقاحات لأطفالهم في المركز الصحي التابع للبلدية». وهناك حركة يومية في المركز، تغطيها البلدية،

يغمز البعض إلى ميزانيات ثابتة لمراكز حساسة سياسيًا أو مناطقيًا
لناحية الطعام والمحروقات ومصروف الكهرباء والمياه. كما تكفّلت بتأمين رواتب ثابتة لأربعة عناصر من المتطوعين. وفيما يصف حاطوم وزارة الداخلية «بالقاصرة حتى ننصفها في عجزها عن دعم الدفاع المدني برغم دوره الأساسي»، يسأل: «هل يمكن الاستغناء عن دور الدفاع المدني في لبنان؟». ليجيب: «إذا كان الجواب نعم، فليذهب الشباب إلى منازلهم. أما إذا كان الجواب لا ــــ وهو كذلك عملياً ــــ فلماذا التعامل معهم كأنهم غير موجودين».
يجيب المدير العام للدفاع المدني العميد درويش حبيقة عن أسئلة «الأخبار» على قاعدة «ما تشكيلي ببكيلك»، فهو يؤكد أن المديرية ما كانت لتفتح مراكز في المناطق لولا مطالبة البلديات أولاً، ودعمها للفكرة ثانيًا، وهذا هو الأهم، لأن «ميزانيتنا تتناقص عامًا بعد آخر، فقد كانت 24 مليارًا وتقلصت إلى 20 مليوناً». كذلك فإن مشكلة التوظيف والاعتماد على المتطوعين بنسبة قد تصل إلى 90%، ما زالت تحاصر عمل المديرية، وبحسب حبيقة فإن عديد الموظفين خُفِّض من 1400 إلى 750». أما عن وضع مركز الحارة، فيؤكد أن لا حل بيد المديرية ما دامت حال موازنتها على ما هي عليه.
وفيما يغمز بعض المصادر إلى أن هناك ميزانيات ثابتة لبعض المراكز «الحساسة سياسيًا أو مناطقيًا»، يؤكد حبيقة أن المديرية «لا تفرّق بين أبنائها، فلو تسلّمنا 50 قميصًا أو مئة حذاء، فسنوزعها بالتساوي، هذا إذا تسلّمنا»، واصفًا المديرية بأنها «وادي الدموع» التي يبكي الناس على كتفها، ولكن تبقى قدرتها على التحمل محدودة جدًا.