30 دونماً من القمح ذهبت أول من أمس دخاناً في حوش تل صفية في البقاع. هذا ليس الحريق الأول، فقبله كان على أهل الرزق مراقبة ألسنة النار تلتهم جزءاً من أحراج بوداي، ومواسم في طاريا وحوش سنيد وشمسطار. المعالجة ما زالت مقتصرة على بدائيات الدفاع المدني ومتطوّعيه، وهو دفاع عاجز عن مجاراة الحرائق، مثيراً مشاعر قلق وخوف في قلوب مزارعي القمح والشعير، وخصوصاً أنّ موسم حصاد بعضهم لم يبدأ بعد
البقاع ــ رامح حمية
مئات الدونمات من الأراضي المزروعة قمحاً وشعيراً التهمتها النيران الصيف الماضي في بلدات مجدلون وحوش تل صفية وحوش بردى وحوش النبي وعين غطاس في البقاع. مئات الدونمات من الرزق المرويّ بالعرق زرعها أصحابها ليحصدوها خيراً، فإذا بألسِنة النار تحصدها هباءً منثوراً. الخسائر فادحة لأصحابها من المزارعين، الذين لم يصل صدى صوتهم إلى الدولة، فغاب التعويض عنهم، بذريعة عدم تأليف الحكومة، لاتخاذ القرار بشأن ذلك. صيف هذا العام بدأت النيران ترسم ملامحه، في ظل تغيّر مناخي فيه الكثير من الجفاف والأعشاب اليابسة، ووزارات منعت رخص تشحيل الأحراج، وأخرى لم تعالج أزمة الحرائق إلّا «قولاً بعيداً عن الأفعال». منذ أيام أثناء حصاد موسم في حوش سنيد، اندلعت النيران فجأةً، وقبل أن يفهم الناس ما الذي يحصل، كانت عشرات أكياس الخيش من التبن قد احترقت، وأكثر من ثلاثين دونماً وعدد من أشجار السرو والصنوبر. أمّا في سهل طاريا، فقد أكلت النيران نحو 60 دونماً من القمح لصاحبها محمد حمية. إلّا أنّ الخسارة الكبيرة تمثّلت في حريق بوداي، الذي امتد ليدمغ أحراجها الخضراء بنقش أسود قاتم. حريق كبير أتى على أكثر من 300 دونم من أشجار السنديان والعرعر والطنب، إضافةً إلى عشرات الدونمات من بساتين الزيتون والكرز والدرّاق، ومولّد كهربائي لضخ مياه الريّ، تعود ملكيته إلى المُزارع أحمد شمص.
«عشرات الدونمات فُقدت بين ليلة وضحاها» يقول عبد الله شمص عضو المجلس البلدي في بوداي، الذي شرح أنّ الحريق كانت بدايته من الأعشاب اليابسة الممتدّة على جانب أحد الطرقات الفرعية من الجهة الغربية للبلدة، وبحسب رأيه فإنّ ألسنة النيران امتدت بسرعة كبيرة، وبفعل الرياح، تجاه البساتين المجاورة للحرج، فلم تتمكّن فرق الدفاع المدني، التي حضرت من معظم مراكز البقاع الشمالي من السيطرة على الحريق الذي استمر طيلة فترة ما بعد الظهر حتّى ساعات الليل الأولى. شمص نفى أن تكون أسباب الحريق قد عُرفت، مرجّحاً إمّا فرضية اشتعال الأعشاب نتيجة رمي أحد المارة لسيجارة، وذلك بالنظر إلى قرب الأشواك من الطريق، أو فرضية نثر الزجاج وارتفاع درجات الحرارة وسرعة الرياح. إلّا أن الجدير ذكره بحسب ما علمت «الأخبار» من أحد مكاتب الأحراج في البقاع أنّ اتصالاً جرى لاستقدام الطوّافات الخاصة بإطفاء الحرائق بهدف تقديمها المساعدة في عملية الإطفاء، إلا أن المشكلة تمثّلت في «عدم وجود برك يمكن الطوافة التزوّد منها بالمياه».
إذاً، موسم الحرائق بدأ، ولم تقتصر ألسنته على بعض الحقول، بل امتدت أيضاً إلى أحد بساتين الزيتون في بلدة شمسطار، نتيجة اشتعال أشواك يابسة على مقربة منه، حيث أتت عليه كلّه.
الحرائق المتنقّلة زرعت الخوف والقلق في صدور مزارعي القمح والشعير، وخاصةً أنّ «موسم الحصاد لم يحن وقته في معظم الحقول، وبقيت له أسابيع قليلة أو أقلّ حتى يبلغ مرحلة النضج الفعلي والحصاد التمّوزي»، كما يشير المزارع حسن زعيتر. إلّا أنّ أساليب الحماية اختلفت عند كل منهم في مواجهة الحرائق ومكافحتها، فقد أكّد زعيتر أن معظم المزارعين يقدِمون حالياً على حراثة محيط قطعة أرضهم، وخصوصاً القريبة من الطرقات العامة، وذلك بـ«سكة جرّار زراعي من خمس شفرات»، بحيث لو «اشتعلت الأشواك على أطراف الطرقات والأراضي، فلن تصل النيران إلى الحصيد». ويُذكر أنّ موسم القمح والشعير لهذا العام نال القسط الوافر من الأضرار، سواء نتيجة عوامل تغيّر المناخ وندرة الأمطار، ومرض الصدأ الأصفر، وآخرها مهاجمة الفئران للحقول والقضاء على مساحات كبيرة فيها. ويحاول المزارعون الخروج بأقل الخسائر الممكنة حتى بالاعتماد على «سعر التبنات»، مطالبين وزارة الداخلية بتقديم المساعدة إليهم وذلك بالإيعاز إلى فرق الدفاع المدني بتسيير دوريات لهم خلال هذه الفترة القصيرة الباقية من الموسم، وذلك في محيط المنطقة الزراعية المزروعة قمحاً وشعيراً.

موسم القمح نال القسط الوافر من الأضرار بسبب تغير المناخ والجفاف والأمراض والحرائق
وعليه، فإنّ حريق بوداي كان بمثابة ناقوس خطر بالنسبة إلى الصيف القادم على البقاع، حيث فتح الباب على مصراعيه تجاه غياب الدولة عن معالجة مشكلة الحرائق جذريّاً، وتوفير الحلول التي تمنع من نسب الخسائر وتقلّصها فيما لو حصلت. مصدر مسؤول في أحد مكاتب الأحراج في البقاع أكّد لـ«الأخبار» أنّ الحرائق في البقاع تحتاج إلى «أفعال، لا أقوال تُرمى بين حين وآخر، ومن ثم نتخلّى عنها مع أول قطرة غيث تشرينيّ».
«تقارير فنية كثيرة تتضمّن اقتراحات لحماية بيئتنا وأحراجنا رُفعت إلى الوزارات المعنيّة، لكنّ أياً منها لم يؤخذ به حتى اليوم»، يقول المصدر المسؤول، مشيراً إلى عدد من الاقتراحات والخطوات التي طُرحت، ومنها إنشاء برك مياه صناعية في عدد من قرى غرب بعلبك، لقربها من سفوح السلسلة الغربية، بغية تمكين الطوّافات من ملء خزّاناتها بالسرعة اللازمة. ومن الخطوات أيضاً شق طرقات داخل الأحراج تسهّل وصول سيارات الإطفاء إلى النيران، بدلاً من جر الخراطيم مسافة كبيرة. ولفت المصدر إلى أن منع وزارة الزراعة لرخص التشحيل كان «خطأً كبيراً» لا بدّ من العودة عنه، فالأشجار الحرجية، ومنها السنديان، تحتاج إلى تشحيل «فنودها» الصغيرة التي تنمو حول جذعها الأساسي، وهي المعرّضة فعلياً للاشتعال السريع مع الأشواك والأعشاب اليابسة. وتُعدّ مكبّات النفايات في معظم قرى البقاع من أكبر المشاكل في المنطقة، لجهة قربها من الأحراج في المنطقة، حيث يسمح إشعال البلديات إيّاها باندلاع النيران في الأعشاب اليابسة التي تساعدها الرياح على الانتقال بسرعة كبيرة باتجاه المنازل أو الأحراج، كما حصل العام الماضي في مكبّات بلدتي جبعا وشمسطار.