كل عام في مثل هذا الوقت، تغدق بساتين البقاع على أصحابها الإنتاج الوفير من العديد من أنواع الفواكه. إلا أن التغير المناخي، الذي فتك بأزهار اللوز والمشمش والكرز وحتى التفاح، قد فعل فعله هذا العام، ليربك الموسم
البقاع ــ رامح حمية
اللوز أولاً، ومن ثم المشمش والكرز والأكي دنيا والجنارك والبطيخ، وغيرها من فاكهة الصيف الكثيرة والمتنوّعة. سلسلة غذائية يطول ذكر أنواعها، ينتظرها الجميع كل عام، بالنظر إلى الفوائد الصحية التي تختزنها، وإلى كونها تمثّل مورد رزق لآلاف العائلات البقاعية، ومنتجاً أولياً للتصنيع، سواء لمؤونة الشتاء بالنسبة لربّات المنازل، أم بغرض البيع بالنسبة للنسوة المنتظمات في تعاونيات. إلا أن نتاج هذا العام لم يكن وفيراً كباقي الأعوام السابقة، إذ طالته ندرة الفواكه، التي ظهرت معالمها جلية، وأهمها وأوّلها ارتفاع الأسعار، كرد فعل طبيعي، وفق القاعدة الاقتصادية التي توازن بين أحوال «العرض والطلب». فالطلب المتزايد على الفواكه الذي يقابله العرض القليل، سوف يؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعارها كثيراً جداً. وهذا ما حدث هذا العام.
نسوة البقاع يُعتبرن أول من استشعرن غياب تلك الأنواع من الفواكه، التي، إن حدث وتوافرت، تكون مرتفعة الأسعار، وخاصة اللواتي يقدمن على صنع مربيات المشمش والكرز منهن. فقد أشارت حنان الحسيني إلى أن البستان الملاصق لمنزلهم الذي يحوي أنواعاً متعددة من الفواكه، «لم يحمل هذا العام»، الأمر الذي فرض عليها شراء كيلو المشمش العجمي بمبلغ 7000 آلاف ليرة، أما كيلو الكرز فوصل سعره حد الأربعة آلاف ليرة، «وكلاهما ليسا من النوعية الجيدة والمناسبة لصنع المربيات الشتوية». وإذا كانت بعض العائلات قد أتاحت لها قدراتها المالية شراء الفواكه بأسعارها الحالية، فإن كثيراً منها غضّت الطرف وتراجعت عن شرائها لتكتفي بتمريرها «مرة واحدة» خلال الموسم، بناءً على مقولة «سنة مباركة ورزق جديد» كما تقول فاطمة، وهي ربة منزل أشارت أيضاً إلى أنها قررت الاعتماد على ما بقي من مونة العام الماضي بالنسبة لمربى المشمش بسبب ارتفاع أسعاره هذا العام، أما بالنسبة لبقية الأنواع فـ«نصيبهم بالجنة هالسنة»، كما تتمنى لعائلتها، إذ ليس من المعقول برأيها الشراء بهذه الأسعار الـ«مش معقولة» لتحضير بعض أنواع المربيات.
المزارعون، من جهتهم، بدت عليهم مرارة الخسارة، وخاصة أن الخسائر التي لحقت بمواسم الصيف كبيرة، وهي التي يعوّلون عليها لتأمين متطلبات واحتياجات الشتاء. المزارع محمود الفليطي، ابن بلدة عرسال، لفت إلى عدم وجود موسم كرز ومشمش في البلدة لهذا العام، وخاصة أن تقلبات المناخ وموجات الصقيع التي تخللته قد ضربت البساتين على نحو قاس، حيث تدنت درجات الحرارة في فترة إزهار المشمش العجمي والكرز الطلياني، إلى 9 درجات تحت الصفر، ليليها صباح ضبابي لفّ المنطقة بأثرها، وهو ما أدى إلى القضاء على ما يقارب 80 إلى 85% من إنتاج الكرز في البلدة الذي يعتبر المورد الرئيسي لرزق عائلات عرسال. ولفت الفليطي إلى أن بعض البساتين التي يتأخر إزهارها، تمكنت من توفير بعض الإنتاج، لكنه يباع لسوريا بسعر 1750 ليرة، أي بفارق 500 ليرة عن العام الماضي. أما بالنسبة إلى المشمش فأكد أنه «ليس هناك موسم مشمش في عرسال ولا في القرى المحيطة كاللبوة والفاكهة.. وهو ما يبرر ارتفاع سعر كيلو المشمش العجمي إلى 7000 ليرة».
وتكاد بعض أنواع الفواكه التي تنتجها بساتين البقاع كالمشمش والكرز لا تكفي السوق المحلية اللبنانية، وخاصة أنه لا تُستورد هذه الأنواع من الخارج، كما يؤكد المهندس الزراعي علي الموسوي، الذي أوضح لـ«الأخبار» أن عدم وجود ثمار في أشجار بساتين البقاع هذا العام مثّل نقصاً حاداً لهذه الفواكه في الأسواق، وسمح بارتفاع أسعارها ارتفاعاً ملحوظاً، حيث تراوح سعر كيلو الكرز بين 2500 و4000 ليرة، فيما وصل سعر كيلو اللوز حد 2000 ليرة فيما لم يتخطّ العام الماضي الألف ليرة لبنانية.
ويعزو الموسوي السبب في ذلك إلى التغير المناخي الذي شهدته أشجار البقاع في الفترة الممتدة بين نهاية شهر كانون الثاني وشهر آذار، حيث ارتفعت درجات الحرارة ارتفاعاً ملحوظاً، بدلاً من الصقيع وتساقط الثلوج، الأمر الذي سمح لبراعم اللوز والمشمش والتفاح في وقت لاحق بالتشكل والتفتح زهيرات صغيرة ما لبثت أن ذبلت بعد موجة الصقيع التالية. وعن إمكانية مواجهة المزارعين موجات تغير المناخ، أشار الموسوي إلى أن الدول المحيطة بلبنان تعمد دورياً، وخاصة خلال الفترات الإنتاجية الزراعية، إلى توزيع نشرات خاصة بأحوال الطقس تسمح للمزارعين بتحضير الوسائل الكثيرة التي تمكّنهم من حماية مزروعاتهم من هذه التغيرات، سواء لجهة البرودة أو الحرارة.