جونية ــ أليسار كرمتقف تانيا الخوري (27 عاماً)، أمام مدخل محطة التلفريك في جونية بثيابها المزركشة و«القمطة» على رأسها، تستقبل كل من يرغب في خوض تجربة «تفاعلية ترتكز على علاقة الجمهور بعضه ببعض وبالمكان»، كما تشرح، مضيفة: «هذا هو هدف مجموعة دكتافون التي تأسست عام 2009 إثر لقائي بعبير سقسوق في لندن. كنت أتابع دروسي في المسرح فيما هي تتابع دروسها في الهندسة المعمارية والبحث المديني، حين قررنا استحداث أسلوب دينامي في استخدام المساحات الموجودة في المدينة وتقديم عروض حية من أجل التعريف بالمكان والتعليق على التغيّرات التي طرأت عليه بطريقة شبابية».
تانيا، التي خاضت تجربة العروض الحيّة في القاعة الكبرى في المتحف البريطاني وفي إحدى كنائس بيروت القديمة، تكرّر اليوم تجربتها في عرض اختتم يوم أول من أمس، تتعرّى فيه المدينة لتنكشف على حقيقتها. ولأنها تهتم بالفن العلائقي وبالعروض الحميمة، كما تسميها، فضّلت الابتعاد عن العروض الكلاسيكية التي ترى فيها نوعاً من الجمود والتعالي بين الممثل الواقف على الخشبة والجمهور القابع في الظل.
تمثّل مع واحد من الجمهور مشهداً من فيلم أبي فوق الشجرة
تجلس في المقصورة وإلى جانبها جمهور من ثلاثة أشخاص، تشرح لهم التطور المديني لجونية، من خلال صور وخرائط قديمة تحملها في حقيبتها. يصغون باهتمام إلى المعلومات الدقيقة والسرد العفوي للمعتقدات الشعبية الرائجة عن بيت مسكون هنا ومجنونة منعزلة داخل جدران بيتها هناك، محتفظين بحق التعقيب. تعلّق صور «جونية العتيقة» على نوافذ التلفريك لمقارنة التغييرات العمرانية. قبل الوصول إلى مزار سيدة لبنان في حاريصا، تسير تانيا مع جمهورها في ما بقي من الحرج، مستمعين إلى الموسيقى وإلى كلامها المسجل عن جونية. يكتشفون مقابر لأهالي المنطقة لم يكونوا يعرفون بوجودها، ويقرأون «الخربشات» على الجدران. أما المفاجأة التي أعدّتها لهم، فهي صور عن اللوحات الإعلانية التي تعمّ المنطقة والتي تصوّر بمعظمها أجساداً مثيرة بالملابس الداخلية أو بثياب البحر. تدعو تانيا جمهورها إلى أن يكتب فوق كل صورة ما كان يتمنّى أن تكون عليه المدينة. وفي طريق العودة، ودائماً في مقصورة التلفريك، يرمون الصور التي حمّلوها مواصفات مدينة أحلامهم فوق المنازل والطرقات «كما كانت إسرائيل ترمي المناشير». ثم يستمع الجميع إلى مقطع من أغنية «جانا الهوى» لعبد الحليم حافظ التي صُوّرت لفيلم «أبي فوق الشجرة» في جونية، بعد أن تدعو تانيا أحد الحاضرين إلى مشاركتها في تمثيل مشهد من الفيلم وقراءة السيناريو وأداء المشهد بكل انفعالاته وحركاته وقبلاته!
هكذا، تبحث تانيا الخوري عن مدينتها التي عاشت فيها منذ الطفولة ولم تعد تعرفها، تنقل للجمهور، بحميمية وعفوية، حزنها على ما حلّ بمدينة «باتت تمثّل نموذجاً مخيفاً لما يمكن أن تؤول إليه مدينة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط».