آمال خليل
توفّر شبكة الريّ الطبيعية وتلك المحدّثة في سهل رأس العين الساحلي تنوّعاً زراعيّاً كبيراً، إلّا أن نوعية التربة الخصبة تظلّ هي العامل الرئيسي في اخضرار السهل ووفرة إنتاجه، إذ تحتوي على الطين والرمل بسبب قربها من البحر، ما يسهم في اختراق جذور المزروعات لها، وامتصاصها الموادّ المغذّية منها.
هكذا، تمتد في السهل «صحارى» البطيخ والشمّام والباذنجان واللوبيا والبندورة الصيفية والبقوليّات والحبوب والبامية والخس والملفوف والقنّبيط والبطاطا، وصولاً إلى التبغ والصعتر، إلّا أن الصعتر والبطيخ يتصدّران القائمة اليوم. بالنسبة إلى الصعتر، فقد شجّعت إدارة محمية شاطئ صور، المشرفة على استثمار المزارعين للأراضي الزراعية في سهل دير قانون رأس العين، المزارعين على اعتماده زراعةً بعلية بديلة غير مكلفة، ولا تحتاج إلى رش مبيدات كثيف، فضلاً عن سهولة تصريفها. أمّا البطيخ، فقد وجد هنا واحة بديلة له بعد تهجيره القسري من سهل عدلون، بعدما انتصر الموز والحمضيات عليه. المزارع حسن خياط افتتح عهد البطيخ الحديث في رأس العين بزراعة النوع المهجّن منه (البذرة الأميركية وروزي) على مساحة ستين دونماً. وبالرغم من أنه لم يعتمد الطريقة البعلية في الزراعة، بل نظام الري بالتنقيط، وهو الأوفر لناحية العمال والمياه، فإنه جنى موسماً وفيراً، إذ يؤكّد أن التربة ونوع البذور التي استخدمها، أثمرا بطيخاً عدلونيّ النوع، صغيراً حلو المذاق وأحمر. اللافت أنّ خياط استطاع تصريف إنتاجه الكبير منذ بداية شهر أيّار الفائت، أي قبل أن يحين موسم نضج البطيخ الصيفي البلدي المعتاد في شهري تموز وآب. فالزراعة الحديثة تبدأ في منتصف شهر شباط وتنتهي في مطلع حزيران، فيما تبدأ تلك البعلية بعد منتصف نيسان تجنّباً للمطر الكثيف، وتنتهي بجني المحصول في أواخر تموز.
إلا أنّ ميزة البطيخ لهذا العام، هي عودة خياط وزملائه إلى تطعيم بذوره بجذره البري، والإقلاع عن تطعيمه ببذور اليقطين والقرع، التي درج على تطعيمه بها خلال المواسم السابقة، ما غيّر في شكله، ومنحه حجماً ضخماً بالطول والعرض، و«سحب» منه لونه الأحمر ومذاقه الحلو، وأعطاه مذاق القرعيّات وقسوتها وحجمها. مع البطيخ الصغير المطعّم بالجذر البري، عاد للبطيخ احمراره ومذاقه الحلو، كما اكتسب القدرة على مقاومة الأمراض التي تنتقل إليه بالتربة.
إلّا أنّ ارتفاع كلفة الجذر البري المستورد من هولندا ليس هو وحده ما يعرقل انتشار تطعيم البطيخ به على نحو واسع في رأس العين، إذ هناك غياب الدعم والإرشاد الزراعي من جانب الدولة، وعوامل أخرى كثيرة ليس تغيّر المناخ أوّلها، ولا آخرها تراجع اليد العاملة، ومنافسة البطيخ المستورد لذلك المحلي.