المخدرات في لبنان لا تقتصر على الممنوعات. فاضافة الى الكحول، يدمن عدد متزايد من الشباب حبوب وأدوية مخصّصة لمعالجة المرضى. هل يؤدي عثور الشرطة على تلك الادوية بحوزة الشباب الى ملاحقتهم قضائياً؟
زينب زعيتر
انتقلت سلمى قبل أربع سنوات لتسكن في منزل للطالبات، بعدما التحقت بالجامعة. منى زميلتها في الغرفة تتعاطى حبوب الهلوسّة، ونصحتها بتناول هذه الحبوب في أوقات الامتحانات لأنّها تساعد على السهر. انصاعت سلمى لـ«النصيحة»، وبدأت تناول الحبوب المهلوسة بكميات قليلة، وسرعان ما وجدت نفسها بحاجة إلى كمية أكبر منها. تقول «أشعر بالنشاط والخفّة والراحة، فأنا أنتقل إلى عالم آخر عندما آخذ هذه الحبوب، عالم بعيد عن الهموم والمشاكل، فلا يمكنني أن أذهب لأسهر في النوادي الليليلة دون أن اتعاطى عشر حبوب من Benzexol، أو Revotreel».
سامر (25 عاماً)، بدأ العمل أخيراً مصوّراً في مجلة منوّعات، وهو يعترف بأنه تناول الحبوب المهدّئة أو حبوب الهلوسة بكميات كبيرة، ومن دون وصفة طبيّة لمدة 10 سنوات. يرى سامر أنّ معظم الشباب يتعاطون حبوب الهلوسة «للتمويه عن النفس، والدخول إلى عالم آخر». يقول سامر «توقّفت عن التعاطي في المرحلة الثانوية، وكلّما تعرّضت لمشاكل أو ضيق أعود إلى تعاطيها. بقيت أربع سنوات أتعاطى هذه الحبوب تعاطياً متواصلاً، ثم انقطعت عنها لمدة سنة ونصف سنة، وعدت إليها بعد خمسة شهور، ولكن مع أنواع أخرى من المخدّرات، كالهرويين والكوكايين، أتعاطى كل أنواع المخدر باستثناء استخدام الحقن».
الـ baltan، هو الدواء الأول الذي تعاطاه سامر، وهو دواء يُستورد بطريقة سريّة من سوريا، ويُعطى للأشخاص الذين يُصابون بانفصام الشخصية، سرعان ما انتقل سامر إلى بقية أنواع الحبوب مثل lagaflex، وbenzexol، وtramal، إضافةً إلى tramalgien الذي يُستورد سرّاً.
يُجمع أطباء وناشطون في جمعيات أهلية على أن انتشار الحبوب المهدّئة، وحبوب الهلوسة في لبنان يتفاقم تفاقماً مرعباً، ويشدّدون على أن معظم هذه الأدوية شرعية، ولكن لا يمكن تناولها من دون وصفة طبيّة، ولا يجوز الإفراط في تناول كمية كبيرة منها، ما يجعل المرء مدمناً عليها. المخيف بالنسبة إلى هؤلاء يتلخّص في غياب الإحصاءات عن مدى انتشار هذه الحبوب، وفي أيّ فئات عمرية، حتى إنّ مسؤولاً أمنيّاً قال لـ«الأخبار» إنّ أعداد الموقوفين، وفي حوزتهم هذه الحبوب، كانت عام 2008 نحو 120 حالة، و140 حالة عام 2009، وأضاف «معظم هؤلاء الموقوفين يتعاطون أنواعاً أخرى من المخدّرات، إضافةً إلى هذه الحبوب»، ويرفض المسؤول أن تُسمّى حبوب الهلوسة «لأنّها مجرد أدوية مهدّئة للأعصاب، ومن يفرط في تناولها تؤدِّ به الحال إلى المفعول الذي تُحدثه المخدّرات كالهرويين أو الكوكايين».
يؤكّد المسؤول أنّ «الشخص الذي يُلقى القبض عليه وبحوزته هذه الحبوب، يُؤخذ إلى المخفر، ومن ثم إلى مكتب مكافحة المخدّرات. يجري التعاطي مع هذا الشخص على أنّه مريض ويُخلى سبيله، في انتظار أن يُنشأ مركز رسمي لمكافحة الإدمان، فيُحوّل عندها المدمن المريض إلى المركز للمعالجة».
لم ترِد عبارة «حبوب الهلوسة» في أيّ نص قانوني، لكن هذه الحبوب مشمولة في النصوص القانونية
تُقسم حبوب الهلوسة إلى قسمين: الأدوية التخليقية والمنشّطات، وبحسب الدكتور فادي كعدي، عضو نقابة الصيادلة، فإنّ كل الأدوية التخليقية المخصّصة للجهاز العصبي لها تأثيرات جانبيّة، وفي الأغلب تُستخدم لتهدئة الأعصاب، وإذا زاد استخدام هذه الأدوية عن المعدّل الطبيعي الذي يصفه الطبيب يشعر المتعاطي بارتخاء كبير في الأعصاب، كأنّه نائم على سطح المياه، وتصل به الحال إلى درجة أنّه قد يفتح النافذة رغبّةً منّه في أن يطير، إضافةً إلى المنشّطات التي تعطي مزيداً من الطاقة، وأدوية السعال التي تحتوي في تركيبتها الكيماوية على الكودايين، وهو مشتقّ من المورفين.
ومن بين هذه الأدوية: Benzexol، وTramal، وRevotreel. يتحدث كعدي عن هذه الأدوية، فيصف الأول بأنّه دواء لبناني، يُعطى في حالات الاكتئاب للمريض، وعندما يؤخذ بكميات كبيرة فإنّه يعطي مفعول الهلوسة. يقول «Tramal، هو دواء يُستورد من الخارج لعلاج الأوجاع، وفي تركيبته الكيماوية يحتوي على الترامادول، وهو من مشتقات المورفين».
ولكن ماذا عن «الوضع القانوني» لحبوب الهلوسة؟
تقول المحامية مارلين حبيليني إنه لم ترد عبارة «حبوب الهلوسة» في أيّ نص قانوني، لكن هذه الحبوب مشمولة في النصوص القانونية، فهي تندرج ضمن المواد الكيماوية التي تؤثّر في المقدرة العقلية والمقدرة الجسدية فتوضع ضمن المخدّرات. ورد في المادة الأولى من قانون المخدّرات الصادر عام 1998 «يخضع لأحكام هذا القانون كل ما يتعلق بالمخدّرات بمعناها الواسع، والمؤثّرات العقلية والسلائف». حبيليني عضو في الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان، وتقول «تأتي حبوب الهلوسة ضمن المؤثرات العقلية، وهي قوائم المواد الطبيعية والتركيبيّة المدرجة في الجداول الأربعة المعتمدة في اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971، والمواد المضافة إليها تطبيقاً للمعاهدة المذكورة. وتصنّف حبوب الهلوسة ضمن الجدول الثالث من أنواع المخدّرات «النباتات والموادّ الخطرة التي لها فائدة طبية».
ترى حبيليني أن المدمن اليوم أذكى من القانون «المدمن يعرف أنّه لا يستطيع تعاطي الكوكايين، ولكن في الوقت نفسه توجد بعض الأدوية المتعارف عليها والمسموح بتناولها، ويمكن أن يكون مفعولها موازياً للمخدّر، ويحصل بالتالي على حالة الهلوسة التي يريد».
حيث إنّ المدمن على حبوب الهلوسة، يُعدّ مريضاً يقتضي علاجه، فإنّ القانون اللبناني يعاقب الشخص المدمن على حبوب الهلوسة بموجب المادة 127 عقوبات، وهي المادة نفسها التي يُعاقَب بها المدمن على أنواع مختلفة من المخدّرات كالهرويين والكوكايين. «فرضت المادة 127عقوبات الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، والغرامة من مليونين إلى خمسة ملايين ليرة على كل من حاز أو أحرز أو اشترى المخدّرات بقصد التعاطي أو الاستهلاك الشخصي»، ويتعرض للعقوبة ذاتها من ثبت إدمانه تعاطي المخدرات، ولم يذعن لإجراءات العلاج المنصوص عليها في القانون، ويجوز منح المحكوم عليه وقف تنفيذ العقوبة المقضيّ بها، أو إعفاؤه من تنفيذها إذا كان قاصراً، أو لم يكن مكرّراً، أو تعهد عدم التكرار وخضع لتدابير العلاج أو الرعاية التي فرضتها المحكمة.
تلفت حبيليني إلى أن للقاضي صلاحية استنسابية تسمح له بتجاوز النص القانوني. من جهة ثانية، شدّدت حبيليني على ضرورة أن يُحوّل المريض المدمن إلى مأوى للعلاج بحسب القانون. المادة 193 تنص على أنّه «للنيابة العامة في حال توقيف شخص بجرم تعاطي المخدرات أن تحيله بموافقته على لجنة الإدمان كي يخضع للعلاج وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في المواد 184 حتى 190 ضمناً من هذا القانون».
يُذكر أنّه جرى تفعيل عمل لجنة مكافحة الإدمان من جانب وزارة العدل أخيراً، وتناول الاجتماع الأول الوسائل العملية الكفيلة بوضع قانون المخدرات موضع التنفيذ، ولا سيما لناحية توافر المصحّات المتخصصة للعلاج في وزارة الصحة.


«أدوية بيطرية» للبشر

تعدَّل قوانين المخدرات بناءً على حاجة المجتمع وتطوّره. ويأتي التعديل بعد أن يقوم أحد الوزراء بمشروع مرسوم تعديلي يعرضه على مجلس الوزراء لإقراره في المجلس النيابي، أو أن يأتي قرار التعديل فوراً من المجلس النيابي. يؤكّد كعدي أنّه يُمنع على الصيدليات أن تبيع الأدوية التي لها عوارض تخليقية، أي تتعاطى مع الجهاز العصبي من دون وصفة طبية، وعلى الصيدليّ أن يحصل على نسخة من الوصفة الطبية ويحتفظ بها، ويسجّل التاريخ واسم الشخص الذي اشترى الدواء ورقم هاتفه. تتمثّل مشكلة صرف الأدوية أيضاً في عملية بيع الأدوية البيطرية للبشر. تُستخدَم هذه الأدوية للحيوانات، وخاصةً للأحصنة، فتُعطى كمنشّطات لها لتنمية العضلات وجعلها مهيّأة للسباق. وما يحصل اليوم هو بيع هذه الأدوية للبشر لتناولها وزيادة الهورمونات الذكورية عن حدّها الطبيعي، مما يؤدّي إلى تسكير الشرايين أو التشمّع في الكبد، ولا تظهر هذه العوارض سريعاً، بل بعد ثلاث سنوات من تعاطيها، وأول ما تحدثه هو الزيادة في حجم العضلات والتنشيط.