أسبوع مضى على اكتشاف تسرّب مياه الصرف الصحي إلى بركة مياه اليمّونة. أسبوع والمسؤولون يتقاذفون مسؤولية المعالجة: بلدية اليمّونة من جهة، وشركة إسطفان، متعهّدة مشروع الصرف الصحي من جهة ثانية، أمّا مؤسسة مياه البقاع، فـ«تتفرّج». في هذا الوقت، بدأت بوادر حمّى التيفوئيد بالظهور في المنطقة، بين أهالٍ لا يقصّرون لحماية صحّتهم وصحّة عيالهم، في تكبّد فاتورة مياه الشرب الإضافية
البقاع ــ رامح حمية
بدلاً من الآذان، صدحت مآذن الجوامع في بعض قرى بعلبك بالبيان الآتي: «أهلنا الكرام نحيطكم علماً بأنّ مياه اليمّونة غير صالحة للشرب والاستعمال بسبب تسرّب مياه الصرف الصحي إليها في بلدة اليمّونة». وبدلاً من أن يقع صوت المؤذّن «برداً وسلاماً» على الناس، وقع البيان الذي وجّهته بلديات المنطقة مشكورةً إلى مواطنيها، وقوع الصاعقة على الأهالي، وخاصةً بعدما سرت بينهم أخبار ومعلومات عن إصابات عديدة بحمّى التيفوئيد، ولا سيّما في بلدة بوداي، ناجمة عن التلوّث، فضلاً عن ظهور حالات إسهال حادّة، وارتفاع في حرارة الجسم في عدد من قرى المنطقة الأخرى. وإذا كان البعض قد ارتعب من شبح المرض، فإن البعض الآخر وجد أنه ليس الأثر الوحيد والسيّئ للموضوع، ففاتورة شراء مياه للشرب والاستخدام المنزلي، ليست خبراً جيداً، وخصوصاً إذا ما أُضيفت إلى الفواتير والضرائب، الأخرى، «نقلة الماي ما بيقل سعرها عن 35 ألف ليرة، تحتاج إليها كل يومين، وبدك تنطر دورك كمان! طيب كيف بدي طعمي اولادي؟ من وين يعني؟»، تقول زينب مشيك باستياء.
تُعدّ ينابيع اليمّونة المصدر الرئيسي لمياه الشفة والري لحوالى أربعين بلدة وقرية، بدءاً من دير الأحمر وبتدعي وشليفا شمالاً، مروراً ببلدات بوداي والسعيدة، وصولاً إلى طاريّا وشمسطار جنوباً. وقد خضعت فكرة جرّ المياه من اليمونة إلى بقية القرى لكثير من التجاذبات بين أهالي البلدات، الذين طالبوا الدولة بأن يبدأ جر المياه من النبع مباشرةً حرصاً على نظافتها، وبين أهالي اليمونة الذين رفضوا ذلك رفضاً قاطعاً، مفضّلين جرّها من البركة الأساسية داخل البلدة حرصاً على حصتهم من المياه ربما. وبالفعل نُفّذت مشاريع جر المياه من بركة اليمونة، التي تقع وسط المنازل والمتنزّهات والمطاعم، وهو ما يجعلها بالفعل أكثر عرضةً للتلوّث مع كل تسرّب للصرف الصحي في البلدة.
رئيس بلدية اليمّونة أكّد أنّ عمر المشكلة أكثر من سنة
وقد أثبتت فحوص أكثر من بلدية في غرب بعلبك، عدم صلاحيتها للشرب والاستعمال («الأخبار» 21 نيسان). ولعل أبرز آثار السكوت عن تسرّب الصرف الصحي إلى مياه الشفة، تمثّل بعدد من الإصابات بحمى التيفوئيد في بلدة بوداي، وهو ما كشفه الدكتور علي الحسن، الذي أشرف على ما لا يقل عن عشر حالات خلال الفترة الماضية، تماثل بعضهم للشفاء، مشيراً إلى حالات أخرى تعاني ارتفاعاً في حرارة الجسم، وأخرى إسهالاً حادّاً. وأكّد الحسن أنّ أحد أسباب الإصابة بحمّى التيفوئيد هو تلوّث المياه بالصرف الصحي، المشبّع بميكروبات وموادّ كيميائية (سوائل الجلي والغسيل)، كفيلة بإحداث أضرار كبيرة بأجهزة الإنسان العصبية والهضمية، ومن الممكن أن تكون مسرطنة أيضاً.
وأكّد مصدر في مؤسسة مياه البقاع في حديث لـ«الأخبار» أنّ المشكلة عمرها أكثر من سنة «إلا أنّ أحداً لم يهتمّ بالأدلّة الواضحة على تلوّث مياه اليمونة بالصرف الصحي»، موضحاً أنّ مصدر الأزمة هو بعض «الريغارات» داخل بلدة اليمونة، التي أصيبت بأضرار عند تعبيد الطرقات الداخلية فيها، وأن «البلدية آثرت طمس معالم التسرّب بوضع نوع من الكاوتشوك على فتحات الريغارات، وإقفالها بإحكام، ومن ثم وضع الزفت عليها»، كما يؤكّد المصدر. وبما أن المشكلة لم تُعالَج فقد بقيت الريغارات تتسرّب منها مياه الصرف الصحي إلى بركة اليمّونة، التي تُجمَع فيها المياه بغية جرّها إلى قرى غرب بعلبك. المصدر لفت إلى أن كثيراً من بلديات المنطقة، التي توافَر لها العلم بالتسرب والتلوّث الحاصل، توقفت منذ فترة طويلة عن الإفادة من مياه اليمونة كمياه للشرب، بل انحصر استخدامها بالري والزراعة فقط، كبلديات بتدعي وشليفا وبوداي وفلاوي، فيما بلديات أخرى لم يتوافر لها العلم، فبقيت تواظب على انتظار مياه اليمونة. يتابع المصدر أن «مؤسسة مياه البقاع اقتصر تحركها تجاه المشكلة، بالكشف والإبلاغ عنها فقط، وأنّ تحركها جاء نتيجة اتصال ورد من الوزارة في بيروت، مطالباً بالكشف السريع على مواقع تسرّب الصرف الصحي في بلدة اليمونة، والإفادة عن الأمر بالسرعة اللازمة».
رئيس بلدية اليمونة، محمد شريف، لم ينفِ وجود التسرب، بل أكد أنه موجود منذ أكثر من عام، وفي مكانين بالتحديد قريبين جداً من البركة ومن أقنية جر المياه، وأن محطة تكرير الصرف الصحي التي تسحب المياه المبتذلة من أسفل إلى أعلى تتوقف عن العمل عند انقطاع الكهرباء، ما يؤدّي إلى زيادة الضغط على شبكة الصرف فتتسرّب إلى بركة اليمونة، معتبراً أنّ المشكلة تتحمّل مسؤوليتها شركة إسطفان، التي نفّذت تعهّد الصرف الصحي في البلدة، «فالصيانة من الأمور المفروضة عليهم، لا على البلدية». أضاف إنه لا يمكنهم حلّها بمفردهم، وخاصةً أنّ مؤسسة مياه البقاع «لم تسأل أبداً، وهم يتذرّعون بعدم وجود مدير عام بالأصالة، ومجلس إدارة يتولّى العمل»، مرجّحاً أن تبقى المشكلة فترة شهر حتى تعالَج.
الاستشاري والمشرف على تعهّدات شركة إسطفان، المهندس هشام رباح، نفى في اتصال مع «الأخبار»، وجود أيّ عقد يلزم الشركة بصيانة التسرّب في اليمونة، مشيراً إلى أنهم أنهوا العمل في البلدة عام 2007 وسُلِّم وفق الأصول إلى مجلس الإنماء والإعمار، «ما يعني أنْ لا مسؤولية تقع علينا».
ولأن المشكلة تتطلّب تحركاً سريعاً، هدّد أهالي قرى حدث بعلبك وطاريا وشمسطار والنبي رشاده وكفردان وقرى بيت مشيك بالنزول إلى الشارع، مناشدين وزير الطاقة والمياه جبران باسيل إيلاء المشكلة الأولوية، وخاصةً أنّ مؤسسة مياه البقاع تُعدّ الغائب الأكبر عن المشكلة.