هو مرض نادر اصاب الصغيرة. مرض لا اندر منه الا علاجه الذي يتجاوز قدرة اهلها حتى على التخيل. اهلها ككل الاهل لن يتوانوا عن فعل اي شيء لإنقاذ الصغيرة التي لم يبق في جسدها مكان لضرب إبرة. لكن اي شيء ليس في متناولهم. فهم، الى كونهم فقراء، فلسطينيون. وها هي من دون علاج منذ 16 يوماً
حسن بكير
براء خليل عوض. العمر ثماني سنوات. للوهلة الأولى، تحسبها ابنة ثلاث سنوات، بسبب مرض عضال أنهك جسدها منذ ولادتها وعوّق نموه كبقية الأطفال. لا تلعب براء بما يلعب به الأولاد من سنها. فعالمها مختلف. ألعابها كلها معدات تتعلق بمهنة الطب. ربما تعدّ نفسها لتصبح طبيبة يوماً كما تحلم، وربما اختارت هذا الحلم لتأمل بصحة طبيعية. ولدت براء عام 2002 في مخيم برج البراجن ولادتها كانت طبيعية. عند بلوغها 6 أشهر لاحظت والدتها ارتفاعاً مستمراً بدرجة حرارتها والتهابات متكررة في الرئتين والأذنين والجهاز الهضمي وإسهالات مستمرة. العوارض لم تكن غريبة على الأم فسارة شقيقة براء المولودة عام 1994 فارقت الحياة بعد سنتين من ولادتها، بعد معاناتها العوارض نفسها. حينها لم تُشخّص حالة سارة، لذلك سارعت الأم الملتاعة إلى الأطباء، لتبدأ رحلة آلام الطفلة والأهل. فحوصات، تحاليل، خزعات من الرئة والظهر، أشعة، مستشفيات، أطباء ومراجعات، آمال واهية وتكاليف باهظة أرهقت والداً يعمل «دهاناً» لا يكفي مأكلاً ومشرباً لعائلة من 5 أفراد. هكذا، أثبتت الفحوصات المخبرية أن براء تعاني نقصاً حاداً في جهاز المناعة. ما طبيعة هذا المرض؟ تجيب د. مريم رجب، الطبيبة المعالجة واختصاصية الأطفال بأن براء، «تعاني ضعفاً شديداً وحاداً بجهاز المناعة المكتسبة وهذا الضعف خُلُقي». ما هي عوارض المرض؟ تجيب رجب: «التهابات متكررة ومستمرة في الرئتين والأذنين والجهاز الهضمي، بالإضافة إلى إسهالات متكررة». هكذا، دخلت براء المستشفى مرات عدّة بسبب التهابات جرثومية حادة ومتطورة جداً في الرئتين، مما دفع الأطباء إلى عزلها ثلاثة أشهر ونصف شهر مع إعطائها أدوية خاصة للجرثومة. هذه الجرثومة تكون عادية عند أي طفل آخر، لكن لأن «براء تشكو من ضعف بجهاز المناعة كانت الالتهابات قوية جداً عليها»، تقول رجب. بالطبع الطب أوجد علاجاً لهذا المرض، لكن المشكلة بالنسبة للطفلة هي عدم قدرة الأهل على توفير المال لتغطية تكاليف العلاج. لم تتناول براء العلاج منذ ثلاثة أشهر بسبب الوضع المادي الخانق الذي تعانيه العائلة، فتطور المرض «ليبدأ الميكروب بأكل قطع من رئتيها تدريجاً» تقول الطبيبة. هكذا، اضطرت د. رجب وبسبب عدم تمكن الأهل من تأمين العلاج إلى «إعطاء براء أدوية تساعدها على تخفيف الآلام والالتهابات، التي أثَّرت على وضعها الصحي حيث زادت الفطريات في صدرها نتيجة أدوية الالتهاب». أما عن كيفية إعطاء العلاج وكلفته فتقول د. رجب إنه «مكلف جداً وتأمينه بحاجة الى مؤسسات، فبراء بحاجة الى 40 غراماً شهرياً من الدواء «اوكتاغم» 40G وهو عبارة عن ابر تعطى عبر الامصال. تحتاج براء هذه الابر كل 15 يوما، وعندما يكون وضعها الصحي جيداً يمكن اعطاؤها اياها في الشهر مرة. اما الكمية فمرتبطة بالوزن: لكل كيلوغرام من وزن براء تحتاج الطفلة الى غرامين من الدواء، وكل «12 غراماً» من «اكتاغم 40» يبلغ ثمنه مليونين واربعمئة الف ليرة لبنانية. المعاناة لا تنتهي هنا فبراء بحاجة الى ادوية اخرى مثل «بريدينسون 5 مغ، وباكتيريوم كالسيوم كاربونايت». هكذا، تروي سامية قاسم والدة براء عذاب التعلق «بحبال الهوا»، كما تقول، جرّاء مراجعتها المستمرة للمؤسسات والجمعيات الخيرية. العائلة لم تترك باباً الا وطرقته، فكان هناك متبرعون من لبنان وخارجه. تجمَّع للعائلة 4 آلاف دولار بعد لجوئها إلى وسائل الإعلام. لكن العلاج الشهري لبراء تبلغ قيمته 6 آلاف دولار. «بعض فاعلي الخير، ساعدنا مرة واحدة فقط، البعض الآخر كان يساعدنا كل 4 أو 5 شهور، وما كان يتجمع لدينا لم يكن يكفي لإعطاء براء العلاج الكامل، فبدل إعطائها 40 غراماً من الابرة كنا نعطيها 12 مليغراماً فقط خلال الشهر الواحد، ما أثَّر على وضعها الصحي فزادت الالتهابات في رئتيها» تقول الوالدة. لم نحسب بعد تكاليف دخول براء الى المستشفى، «200$ عند كل مرة تخضع للعلاج، ولأن جسم براء لم يعد يتحمّل الابر من كثرتها، فقد ركّب الأطباء جهازاً على صدرها تعطى الابر من خلاله، كلّفنا 700 دولار». لكن أين الاونروا؟ «لجأنا الى الوكالة، فكان ردهم بأنهم ليسوا متعاقدين مع مستشفى المقاصد حيث تتعالج، اضافة الى انهم لا يستطيعون تأمين الادوية المطلوبة، ونصحونا بطلب المساعدة من المؤسسات غير الحكومية. كما قصدنا وزارة الصحة لكنهم قالوا ان الدواء غير متوافر» تقول والدة الطفلة. لكن كيف كانت تُؤمّن الابر؟ «كنا نؤمّن الابر من المانيا والامارات العربية المتحدة لعدم توافرها في لبنان، من خلال متبرعين، للاسف اوقفوا مساعدتهم»، تقول قاسم. تضيف: «علمت أخيراً ان الأبر اصبحت متوافرة في شركة «بينتا» للادوية في منطقة سن الفيل. قصدت الشركة، وطلبوا مني ثمن الابرة الواحدة 5 غرامات مليوناً ومئتي الف ليرة، وبراء بحاجة الى 40 غراماً من الدواء شهرياً». تعلم سامية ان مثل هذا المبلغ لا يمكن تأمينه من جهة واحدة، او من مؤسسة منفردة، مضيفةً: «لا أريد ان تصل المساعدات الى يدي، أتمنى ممن لديه القدرة على المساعدة ان يشتري هو الأبر بنفسه لمنح الحياة لطفلتي». وفي اتصال مع شركة «بينتا»، تبيّن ان الدواء لم يعد متوافراً لديها والبديل هو «ساندوغلوبلين»، وكل 6 غرامات يبلغ ثمنها مليوناً ومئتي الف ليرة لبنانية. مما يعني ان الغرام الواحد يبلغ ثمنه مئتي الف ليرة. اما مقدار ما تتناوله براء شهرياً بسبب الوضع المادي «فهو 12 مللغ، اي ما نسبته المئوية 3 بالألف من العلاج المطلوب، ما أثّر سلباً على مشيها، وضمور بأصابع قدميها» تقول الوالدة. هكذا دّق أهل الطفلة الابواب، لجأوا الى فاعلي الخير، افراداً، مؤسسات وجمعيات. يراجِعون، ويوعَدون، يتحركون، والنتيجة «من الجمل إدنو».


عوارض المرض

لم تظهر عوارض المرض على الطفلة براء قبل إتمامها الستة اشهر؟ أما السبب فبسيط وهو ان «المرأة في فترة الحمل تعطي الجنين من جهاز مناعتها عناصر خاصة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، وتبقى هذه العناصر مع الطفل حتى ولادته وتقلُّ تدريجاً لتنتهي عند بلوغ الطفل عمر الستة اشهر» كما تقول طبيبة الطفلة د. مريم رجب.