النبطية ــ كامل جابر تشبه حكاية بلدة يحمر الشقيف في حاجتها المستمرة إلى المياه، حكاية إبريق الزيت. فالبلدة الرابضة على الكتف الشمالي لنهر الليطاني، تعاني الظمأ معظم فصول السنة، برغم تمديدات مصلحة مياه نبع الطاسة ووجود بئر إرتوازية حفرها مجلس الجنوب. بعد حصار قوات الاحتلال الإسرائيلي لبلدة يحمر عام 1994، الذي استمر أكثر من شهر، أصدرت الحكومة اللبنانية قراراً يقضي بحفر بئر إرتوازية في البلدة، وذلك بسبب الأعطال الجسيمة التي طرأت على الشبكة الواصلة إليها من مصلحة مياه نبع الطاسة. حينها، تكفل مجلس الجنوب بعملية التنفيذ، فأنشأ البئر على مقربة من الساحة العامة، لكنها منذ ذاك الوقت، تعطي هذه البئر للأهالي النزر القليل ثم تغيب المياه عنها مدة طويلة، حتى إن بعض الأهالي لمّحوا إلى أن البئر هذه نضبت تماماً. ويؤكد المربي محمد عليق أن مياه البئر الارتوازية «انقطعت منذ سنوات، ونحن اليوم نشتري نقلة المياه بما بين 20 ألف ليرة و35 ألفاً». ويتابع: «النقلة البالغ سعرها عشرين ألف ليرة هي أقرب إلى المياه الملوثة، ومصدرها نهر الليطاني، والنقلة الواحدة لا تكاد تكفي أسبوعاً واحداً. كذلك فإنني منذ ثلاثة أيام أنتظر دوري حتى تصل المياه إلى بيتي ولم تصل».
تعمل في بلدة يحمر خمسة جرارات على نقل المياه إلى البيوت. ويقول صاحب أحد الجرارات، علي ناصر عليق: «نشتري نقلة مياه الشفة بعشرة آلاف ليرة من بئر حسن جعفر من كفرتبنيت، جارة أرنون، ونسلمها للمنازل بخمسة وثلاثين ألف ليرة». أما مياه الاستخدام المنزلي والري «فنأتي بها مجاناً من بركة كفرتبنيت ونبيعها بخمسة وعشرين ألفاً»، يضيف عليق. أما مياه نبع الطاسة، فلا يصل منها إلى يحمر إلا كميات قليلة، من محطة الضخ الموجودة في النبطية. وهناك نحو 300 مشترك في مصلحة مياه نبع الطاسة يدفعون الرسوم السنوية المستحقة عليهم، في مقابل نحو 200 منزل أصحابها غير مشتركين، لكنهم يعلقون أنابيبهم على الشبكة الرئيسة. وباتت الكميّة تتوزع على 500 بيت، وهي لا

يشترك في شبكة مصلحة مياه نبع الطاسة 500 بيت وهي لا تكفي لمئة

تكاد تكفي لمئة، ما ضاعف حجم المشكلة. ويتّهم أهالي يحمر «المصلحة» بالتقصير، «فلو أنها توصل المياه على نحو طبيعي إلى البلدة، وتقوم هي بالكشف على العدادات ومراقبة توزيع المياه، لانتظمت الأمور كلها»، يقول شوقي ناصر. يضيف: «يشعر من يدفع الرسم السنوي للمصلحة بالغبن، إذ إنه يدفع ما لا يقل عن 220 ألف ليرة للمصلحة، ويضطر في المقابل إلى شراء كميات من المياه قد تتجاوز مبلغ 200 ألف كل شهر».
وفيما تتقاعس الدولة عن تأدية واجباتها، نفذت الجمعية التعاونية الزراعية في يحمر وجوارها مشروع جرّ المياه من نهر الليطاني إلى تخوم البلدة، بلغت تكلفته 198 ألف يورو، بتمويل من جمعية التنمية الإيطالية، وبقدرة ضخ تصل إلى حدود 25 متر مكعب بالساعة. لكن، حتى هذا المشروع لا يكفي حاجة الناس، «وخصوصاً أن تكلفة ساعة الضخ تبلغ نحو ثلاثين دولاراً، وغايته الأساسية زراعية»، يقول نجيب ناصر من الجمعية. وثمة سبب إضافي، إذ يلفت ناصر إلى أنه «وزعنا المياه على الصهاريج بمبلغ ستة آلاف ليرة للنقلة، لكن أصحاب الجرارات باعوها بعشرين ألفاً، فأوقفنا عملية البيع في مرحلة لاحقة».