صيدا ــ خالد الغربيفي 8 حزيران عام 1999 اقتحم مسلحون قاعة المحكمة في قصر العدل القديم في صيدا، قرب ساحة النجمة وسط المدينة، ونفذوا جريمة اغتيال أربعة قضاة لبنانيين كانوا على قوس العدالة، وهم القضاة حسن عثمان، وعاصم أبو ضاهر وعماد شهاب ووليد هرموش. هزّت تلك الجريمة لبنان كله. بعد 11 عاماً على الجريمة، إن الجسم القضائي اللبناني مطالب بكشف تفاصيلها وتحديد منفذيها، وتنفيذ حكم العدالة بحق مرتكبيها. المحامي سالم سليم الذي نجا يومها من الموت بعدما أصيب إصابات بالغة جرّاء الرصاص المنهمر في قاعة المحكمة، سأل أمس «عن مصير التحقيق في هذه الجريمة، وأين وصل التحقيق؟ ولماذا يُعتّم على الموضوع؟».
الجريمة التي بقيت من دون إماطة اللثام عن مرتكبيها، ولم يُعرف ما إذا كانت تقف وراءها جهات إقليمية أو سياسية أو أفراد من مجموعات إرهابية، نفّذها مسلّحون تسلّقوا السور الغربي للقصر القديم في وضح النهار، مستغلّين ضعف إجراءات الحماية الأمنية المتخذة آنذاك في محيط القصر، ثم عمدوا إلى تحطيم زجاج إحدى غرف المحكمة التي كانت تجري فيها محاكمة في قضايا قضائية «عادية وغير أمنية»، وفتحوا نيران رشاشاتهم داخل القاعة، حيث قُتل على الفور القضاة الأربعة. وقد أشارت أصابع الاتهام يومها إلى دور ما لمنظمات أصولية، إلا أن التحقيقات لم تتوصل إلى نتيجة في هذا الشأن.
في قصر العدل الجديد في صيدا كثُرت أمس الأسئلة عن التحقيق في الجريمة
إحياءً للذكرى الحادية عشرة لاغتيال القضاة، تجمّع قبل ظهر أمس عدد من القضاة وأفراد من عوائل القضاة الشهداء في البهو العام لقصر العدل الجديد في صيدا (وهو غير القصر القديم الذي وقعت فيه جريمة الاغتيال)، حيث وضعوا أكاليل من الزهر على اللوحة الرخامية التي تحمل أسماء القضاة الشهداء. وقد رُفعت في البهو صور عملاقة للقضاة الأربعة. بعض المشاركين تخوّفوا من أن تُحوّل الذكرى إلى طقس سنوي، فيما المطلوب كشف القاتلين، وهو أمر نادى به أمس القضاة الأربعة أنفسهم، من خلال لافتة من القماش ذُيّلت بتوقيع «القضاة الشهداء»، وجاء فيها «تكريمنا بكشف قتَلَتنا». وقد رفعت اللافتة فوق اللوحة الرخامية، وفوق شعار العدل أساس الملك.
أرملة القاضي الشهيد حسن عثمان، بهيجة الصلح، التي حضرت إلى حيث أقيم الاحتفال، كانت تنظر باتجاه صورة زوجها المرفوعة في المكان، ثم مسحت دمعتها بمنديلها، ملتفتة إلى صور القضاة الثلاثة الآخرين، بينما أحد أفراد أسرة أحد القضاة الشهداء أومأ برأسه بعلامة الرضى، متى قرأ اللافتة المذيّلة بتوقيع القضاة الشهداء، رافعاً يده تأييداً لما ورد في اللافتة، من أن التكريم يكون بكشف القتلة.
شارك في إحياء الذكرى رئيس محكمة جنايات لبنان الجنوبي القاضي عماد زين، ورئيس الهيئة الاتهامية في الجنوب القاضي خضر زنهور وغيرهم من القضاة وحشد من المحامين.
القاضي زين قال إن القضاة الأربعة قضوا فرساناً للعدالة وأبطالاً للحق على قوس المحكمة، معاهداً القضاة الشهداء بالسير على خطاهم في إحقاق الحق حتى بذل الروح.
كذلك كانت كلمة مؤثّرة لشقيق القاضي الشهيد عاصم أبو ضاهر، المحامي بلال أبو ضاهر.
في قصر العدل الجديد في صيدا، كثرت أمس الأسئلة التي ردّدها بعض المحامين وبعض موظفي القصر، «إلى متى تبقى جريمة ارتُكبت بحق الوطن والعدالة فيه، هي جريمة اغتيال القضاة، من دون معرفة حقيقة من هي الجهة التي اغتالتهم، وما هي الرسالة التي أراد المجرمون إيصالها؟»
المحامي سالم سليم الذي أصيب في تلك الجريمة، وما زالت آثار الإصابة واضحة في وجهه ويده، توجّه بالسؤال كناج من تلك المجزرة، كما سمّاها أحد المسؤولين في الدولة اللبنانية، قائلاً لهم عبر وسائل الإعلام «من 1999 إلى 2010، مضى 11 عاماً على تلك الجريمة. فماذا فعلتم لأجلنا ولأجل القضاة الشهداء؟ والسؤال المباشر إلى المعنيين بهذا الملف: «أين وصلتم؟ ولماذا التعتيم على هذا الملف؟».