الجمعيات طوائفية وتابعة للأحزاب السياسيةبسّام القنطار
يمكن القول إن وزير الشؤون الاجتماعية د. سليم الصايغ، أطلق أمس مبادرة قد تزعج ما يصطلح على تسميته «لوبي صناعة الخير» في لبنان. إنه لوبي متغلغل في صميم البنية الطائفية والمذهبية للنظام السياسي اللبناني. لوبي أكبر من الوزارات نفسها، لا من حيث القدرة على صناعة القرار فحسب، بل من حيث الميزانية والقدرة التنظيمية والمالية أيضاً.

وصف الصايغ مبادرته بأنّها «خاصة بتطوير أنظمة ومعايير لضمان الجودة والاعتماد» في عمل الجمعيات والهيئات الأهلية المتعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وذلك بالتعاون مع «مؤسسة التميز للتعلم والريادة»، التي يرأسها طعان شعيب. لم يوضح الصايغ الآلية التي اعتمدت لاختيار هذه المؤسسة دون سواها، ولم يكشف عن الميزانية المقدرة لهذا المشروع، مكتفياً بالقول إنه «لا يعقد صفقات من تحت الطاولة»، علماً بأن الصايغ يمارس منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر مهمات الوزير والمدير العام معاً بعدما كفّ يد كورين عازار المديرة العامة للوزارة بالإنابة، بعد شغور المنصب بإحالة المديرة العامة السابقة نعمت كنعان على التقاعد منذ سنوات.
وكشف الصايغ عن مجموعة من الأنشطة ستخصّصها الوزارة للجمعيات والهيئات الأهلية والموارد البشرية العاملة في الحقل الاجتماعي، لتمكينها من تطوير أنظمتها ومن بناء قدراتها وفقاً لمفاهيم ومبادئ: الحوكمة التنظيمية الرشيدة، احترام المعايير الدولية للسلوك، احترام حقوق الإنسان، احترام سيادة القانون، الصداقة مع البيئة، ممارسات التشغيل العادلة، إشراك المجتمع وتنميته، المساءلة، الشفافية، السلوك الأخلاقي واحترام مصالح الأطراف المعنية.
ورأى الصايغ أن المبادرة خطوة أولى للنهوض بالعمل الأهلي في لبنان على أسس شفافة. وأضاف: «قمنا بإعداد استراتيجية شاملة للتواصل والاتصال المباشر مع مكونات المجتمع اللبناني (...) وصولاً الى المشاركة الفعلية في الأنشطة المرتبطة بهذا المشروع.
إذاً، نحن أمام مشروع يفترض أن يعيد النقاش إلى أساس الاستراتيجية الرعائية التي تموّلها الوزارة عبر الجمعيات الأهلية المتعاقدة معها. فمن المعلوم أن الغالبية الساحقة من الأطفال الموجودين في المؤسسات التي تنتهج سياسة «الإيواء» هم فقراء، لا أيتام. وكانت «الأخبار» قد نشرت دراسة علمية نفذتها «مؤسسة البحوث والدراسات» في عام 2006، أظهرت أن الدولة تستطيع توفير 7.26 مليارات ليرة لبنانية سنوياً إذا ما قرّرت رعايتهم ضمن أسرهم، لا ضمن المؤسسات، التي تتعاقد معها وزارة الشؤون الاجتماعية سنوياً، بكلفة تصل إلى 66 مليار ليرة (75% من موازنة الوزارة).
يرفض الصايغ القول إن هذا المشروع يستهدف إلغاء العقود مع مؤسسات الإيواء بقدر ما يفتح النقاش حول آلية التعاقد معها، كاشفاً عن تأليف لجنة تسيير سوف تدرس جميع العقود، حتى تلك التي يرفضها الموظف المختص في الوزارة، لأن الموضوع ليس إدارياً فحسب، بقدر ما يتعلق بتقويم المعايير المعتمدة في المؤسسات.
أضاف: «نحن في حوار معمّق مع مؤسسات الإيواء، وإذا اعتمدنا المعيار الضيق لتعريف اليتم نكون قد أهملنا فئة واسعة من الأطفال الذين يتلقون الرعاية في هذه المؤسسات، وهم ليسوا أيتاماً. ونحن بصدد تنظيم ورشة عمل وطنية لمناقشة مفهوم اليتيم الاجتماعي الذي يضعه أهله في مؤسسات الإيواء، حيث تقدم له الخدمات الرعائية. والسؤال المطروح هل تستطيع أسرته فعلاً إذا دُعمت مباشرة أن توفر هذه الرعاية؟ لا نملك الإجابة الواضحة عن هذا السؤال، ونحن نسعى ليكون هناك تدخل مباشر من الوزارة في تقويم العمل الرعائي للمؤسسات، إذ تبيّن لنا أنه ليس هناك مؤسسات وهمية، بقدر ما يوجد في بعض الأحيان رعاية صورية وخدمات وهمية تدفع الدولة تكاليفها من دون أن تؤدي إلى النتيجة المطلوبة».
هل هذه هي المرة الأولى التي تضع فيها الوزارة معايير تقنية للتعاقد مع المؤسسات الأهلية؟ الإجابة عن هذا السؤال تحيلنا إلى عشرات المبادرات التي سبق العمل عليها في الوزارة. فمن المعلوم أن المعايير التقنية كانت دائماً ضحية المحاصصات الطائفية والمناطقية المعتمدة في التعاقد مع المؤسسات، التي بغالبيّتها العظمى مؤسسات طوائفية أو تابعة لأحزاب سياسية. وبالنسبة إلى الصايغ فإن موقعه الوزاري هو موقع سياسي أولاً، وبالتالي فإن العقبات التي ستعترض مهمته بخلفية سياسية أو طائفية سيواجهها من موقعه السياسي، تماماً كما سيواجه العقبات التقنية من خلال مبادرات تقنية تشبه التي طرحت أمس.
لكن، ماذا عن وحدة دعم الجمعيات التي أنشأها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي داخل وزارة الشؤون بهدف تمكين الجمعيات الأهلية وتطوير قدراتها؟ وهل هناك ازدواجية بين عمل هذه الوحدة والمشروع المقترح؟ بالنسبة إلى الصايغ إن وحدة دعم الجمعيات هي الإطار الأوسع للعمل مع الجمعيات الأهلية، بينما يرتبط هذا المشروع بالجمعيات المتعاقدة مع الوزارة حصراً وهو لا يتعارض مطلقاً مع عمل وحدة دعم الجمعيات. في المقابل، يرى الصايغ أن وزارة الداخلية يجب أن تؤدّي دوراً أكبر في التدقيق بميزانية الجمعيات التي بحسب القانون تقدم الى الداخلية لا إلى الشؤون الاجتماعية. وسأل الصايغ: «كيف يمكن أن أتدخّل في عمل جمعيات ليست متعاقدة مع وزارتي، هذا ليس من صلاحيتي، والمطلوب هو تعزيز آلية الرقابة على عمل الجمعيات شرط عدم المسّ بحرية عملها التي يكفلها الدستور؟


«الاعتماد المؤسسي»