أمس، كانت الرغبة القويّة في التفوّق على الواقع المؤلم، قاسماً مشتركاً بين الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين خاضوا اليوم الأول من امتحانات الشهادة المتوسطة

محمد محسن
لولا يد فاقدة أصابعَها الطريّة، لكانت زينب ستنهي امتحان الرياضيات بسرعة. تفاعلها مع المسابقة لا يمكن تمييزه عن تفاعل الطلاب العاديّين. تكتشف الرقم المجهول في السؤال الأول، وفي السؤال الأخير، لا يصعب عليها تحديد أرقام درجات الزوايا. بعد أن تصل إلى الأجوبة الصحيحة، تلقّنها لمعلّمة تجلس إلى جانبها فتكتبها على مسابقتها. زينب هي واحدة من 200 طالب من ذوي الاحتياجات الخاصة، أمضوا أمس يومهم الأول في امتحانات الشهادة المتوسطة في مدرسة عبد الله العلايلي الرسمية، حضروا من كل المحافظات اللبنانية.
توزّعوا على طابقين قُسّمت غرفهما بحسب نوع الاحتياجات الخاصة للطلاب. يبدأ «المشوار» من غرفة الصمّ والبكم. هناك، يجلس أكثر من 20 طالباً مع مراقبين يفهمون لغتهم. أنت في مجتمع مصغّر له قواعده. ترتفع الأيادي وتنخفض وفقاً لمتطلّبات لغة الصمّ، أما الهدف؟ فحوار بين بعض التلاميذ عن سؤال في الرياضيات. مريم قنوعة بما تكتبه في مسابقتها، وبلغة يدوية تترجمها المراقبة، تقول إنها لا تريد أكثر من معدّل النجاح، والمسابقة مستواها متوسط. على مقربة منها تجلس بارعة. تلميذة نال نشاطها إعجاب كل المراقبين في قاعة الامتحان. لكن ذلك لم يمنعها من طلب المساعدة علناً من زميلتها. وحين تحاول المراقبة منعها عن «الزعبرة»، تبتسم بخفر وتومىء بوجهها بأنّ السؤال صعب، ولم يبقَ لها غيره قبل إنهاء المسابقة. أمّا إلياس، فخرج من الصف بعدما تذمّر من صعوبة الأسئلة كما أوحت حركاته، لكنّه ما لبث أن عاد إلى الصف بعدما ضمّته المراقبة، وأقنعته بالعودة إلى الامتحان. في قاعة أخرى، يبدو انتظار الإجابات من سارة متعباً. الفتاة الصغيرة تعاني صعوبات تعلّميّة. يصعب عليها تحليل الأسئلة، وإن فعلت، فالنطق بالإجابة أو كتابتها يبدوان أصعب.

احتضن مركز العلايلي 200 حالة
يرفع رغيد آلة لتكبير الحروف قبل أن يقرأ الأسئلة، ويفعل الأمر نفسه حين يتأكّد من صحّة إجاباته. وكطفل يطفىء شموع عيد ميلاده، يبدي فرحته بأدائه «بدي إنجح وفوت عالمهنيّة وأتخصّص ببرمجة الكومبيوتر». أزيلت الأسئلة التي تضم رسوماً هندسية من مسابقة عماد. يستعين الشاب الكفيف بتقنية برايل لحلّ أسئلة الرياضيات، لكنّه لا يحبّ المواد العلمية، وبعد النجاح في «البريفيه» سيتابع دراسته الموسيقية. تعامل المراقبون في المركز بأسلوب أراح الطلاب. تلحظهم يروحون ويجيئون في أروقة الغرفة عند كل إصبع يرتفع طلباً للمساعدة. أمّا الأهالي المنتظرون على باب المركز، فنوّهوا بأداء المراقبين، لكنّهم قدّموا بعض الملاحظات: «لماذا لا يكون في كل محافظة مركز لذوي الاحتياجات الخاصة؟»، أو «أين برامج الكشف المبكر عن حالات أبنائنا؟» تسأل إحدى السيدات. أمّا في مركز سرطان الأطفال، في مستشفى سانت جود، فعشرة طلاب فقط. تناسوا أوجاعهم، وكل همّهم أن ينجحوا. بهاء وإلياس غير مرتاحَين لأدائهما في الرياضيات، لكنّهما عازمان على التعويض في الأيام المقبلة «وعدت أهلي بتقدير جيّد» يقول بهاء. أمّا جو، فدموعه لم تنهمر لأنه قصّر في حل الأسئلة. يعرف كل الحلول، رآها أمامه لكنّه لم يستطع كتابتها. وجعه الذي يسبّب له بطئاً في الكتابة هو المذنب.