محمد شعير
يقود عماد أبو غازي سيارته بنفسه. لا يتجاوز السرعة المقررة حتى على الطريق السريعة. لا يخشى الأمين العام لـ«المجلس الأعلى للثقافة» في مصر رادارات المراقبة. لكنّ احترامه للقانون جزء من طباعه الشخصية. كذلك الأمر بالنسبة إلى ثقافته الواسعة. هو ببساطة لا يحب الاستعراض، بل اختار الثقافة سلوكاً فردياً يومياً. ربما لهذه الأسباب وغيرها، شعر كثيرون بالارتياح حين اختاره وزير الثقافة المصري فاروق حسني العام الماضي أميناً عاماً لـ«المجلس الأعلى للثقافة» في مصر، خلفاً للناقد السينمائي علي أبو شادي.
عماد أبو غازي الذي يحلّ اليوم ضيفاً على بيروت، للمشاركة في «مؤتمر السياسات الثقافيّة في المنطقة العربية» الذي ينظّمه «المورد الثقافي»، لم يكن غريباً عن الهيكل. هذا المؤرخ والباحث المتميز، كان يشرف على المؤتمرات الدولية التي يقيمها «المجلس». لذا لم يشعر المثقفون أنّه هبط عليهم بالمظلّة. يسعى الأمين العام الجديد للبناء على منجزات من سبقه. لا يريد هدم المعبد لكي يقيم معبده الخاص، كما فعل فراعنة مصر القديمة. له مشاريعه الخاصة الجديدة ورؤيته المختلفة، لكنّه يقول: «سأبني على أساس الموجود». حين كان جابر عصفور في هذا الموقع، عرض على عماد، زميله وتلميذه السابق في كلية الآداب، أن يتولى الإشراف على المؤتمرات الدولية. هكذا بدأت علاقته بـ«المجلس»، هذه الهيئة الحيويّة التي فتحت المؤسسة الرسميّة المصريّة على العمق الثقافي المحلّي والعربي. أمضى الرجل عشر سنوات كاملة رئيساً للإدارة المركزية للشعب واللجان، في «المجلس الأعلى للثقافة»، «جنباً إلى جنب مع الأمينين السابقين جابر عصفور وعلي
أبو شادي»، بحسب قول عصفور. ثم سلك طريقه، شيئاً فشيئاً، إلى القمّة.
الفن كان الزاد الروحي لعائلة أبو غازي. هو ابن بدر أبو غازي، الناقد التشكيلي الذي كان وزيراً لثقافة مصر في السبعينيات، والتشكيليّة رعاية حلمي... كان بيتهم متحفاً تشكيلياً ومكتبة كبيرة. التماثيل التي وقّعها النحات المصري الكبير محمود المختار (خال والده) موزعة في كل ركن من الأركان. لهذا تجده يقول إنّ «البيت الخالي من الكتاب واللوحة والتمثال بيت ناقص». أطفال الأسرة، كانت الهدايا التي يتلقونها لوحات تشكيلية من كبار فناني مصر. عندما ولد عماد، أهدى الفنان راغب عياد والده لوحة ما زال يحتفظ بها، وهكذا فعل مع باقي أشقائه. على جدران المنزل، تجاورت أعمال حامد ندا، ويوسف كامل، وتحية حليم، وجاذبية سري، وصلاح طاهر... هكذا نشأ على حب الفن، لكنَّه لم يدرسه، بل مضى في اتجاه عوالم أثيرة أخرى.
عمته التي درست الآثار، وكانت تعمل في المتحف المصري، حددت له الوجهة: «كان لها دور كبير في تكويني. منذ كنت في الثالثة، كنت أذهب معها إلى المتحف، وقد جعلتني هذه الزيارات أعشق التاريخ». قرر أنّه يريد النجاح في الثانوية بمجموع يؤهّله للالتحاق بكلية الآداب. وبذل المجهود اللازم لتحقيق هذا الحلم: دراسة التاريخ. لم يتردّد لحظة في قراره، ولم يندم عليه... عكس شقيقه الأكبر الذي بدأ بدراسة التجارة ثمّ تركها إلى الفنون الجميلة، وشقيقته الصغرى التي درست العلوم السياسية رغم تفوّقها في الأدب والفنون. يخبرنا صاحب «طومان باي ـــــ السلطان الشهيد»: «قادني أبي بطريقة غير مباشرة إلى الفكر الاشتراكي». في المرحلة الثانوية، وقع بين يدي عماد كتاب «كفاحي» لهتلر. انتظر والده أن يفرغ من قراءته، فأعطاه «دليل المرأة الذكية في الاشتراكية ورأس المال» لجورج برنارد شو. الكتب قادته إلى الماركسية، وكانت فاتحة سنوات طويلة من النضال، أدّت به إلى السجن. النصائح العائليّة كانت تقول له إنّ العمل السياسي ليس «سوى مخاطرة لا داعي لها». لكنّ عماد لم يقبل النصح. «سافر إلى الاتحاد السوفياتي في عام 1985، بعد التخرّج: «شعرت أن هناك خطأً ما في هذا البناء». هكذا عاد عماد إلى الاشتراكيّة الفابية على طريقة برنارد شو. يضحك: «أفراد الأسرة أكثر ميلاً إلى الليبرالية. جدتي شقيقة مختار كانت واحدة من المتظاهرات في ثورة 1919 التي قادها سعد زغلول، وقد تعلمت من حكاياتها الكثير عن تلك المرحلة التاريخيّة الحاسمة». السياسة التي تركها مبكراً، كان لها دور كبير في تحديد اتجاهات دراسته. لقد اختار التاريخ الحديث، لكنّ نشاطه السياسي وصدامه مع بعض الأساتذة أخذاه إلى التاريخ الإسلامي. دراسة الماجستير أرادها أن تكون «ثورات المصريين ضد الحكم الإسلامي في عصر الولاة»، فرُفِضَ اقتراحه. تقدّم بفكرة موضوع آخر ثمّ آخر، لكنّ الرفض بقي قائماً. لم يكن الرفض للمقترحات نفسها بل للطالب وأفكاره: «أفكاري من وجهة نظر الأستاذ كانت تمثّل خطراً في مجال التاريخ الإسلامي»، يسرّ إلينا. أدرك عماد أنّه لن يكمل دراسته العليا في قسم التاريخ. التحق بـ«معهد البحوث والدراسات العربية»، وحصل على دبلوم في موضوع «الأحزاب السياسية في مصر وموقفها من القضية الفلسطينية 1971 ـــــ 1948». لكنّ شهادة المعهد لم يكن معترفا بهاً. بالمصادفة، أُعلن التقدم للحصول على دبلوم في ميدان الوثائق في كليّة الآداب، فتقدم إليه على اعتبار أن الوثائق أقرب إلى التاريخ. تخرّج بعد عامين من الدراسة، وكان الأول على دفعته، ليعيّن معيداً في قسم «الوثائق والمكتبات». من والده وزير ثقافة مصر السابق، تعلّم «حب العمل والتاريخ والثقافة والفن التشكيلي وتوفيق الحكيم»، ويمكن أن نضيف: النزاهة والاستقامة. كانت تجربة بدر
أبو غازي قصيرة جداً في وزراة الثقافة المصريّة. بقي سبعة أشهر في منصبه، وحين طلب منه السادات إخلاء متحف محمد محمود خليل، لكي يضمّه إلى بيته ويصبح «ملحقاً برئاسة الجمهورية»، اعترض الوزير على هذا الإجراء ورفض أن يسلّم المتحف. خرج مع أول تغيير وزاري، وخلفه قام بما طلب منه: بقي «متحف محمود خليل» ملحقاً برئاسة الجمهورية حتى جاء فاروق حسني وطالب بإعادته متحفاً كما أراد صاحبه.
هكذا كان الأب. أما الابن، فيحرص آخر النهار، في «المجلس الأعلى للثقافة»، على محاسبة النادل على ما شرب هو وضيوفه. لكن أليس هناك ميزانية لمشروبات الأمين العام؟ يضحك: «لا أفهم لماذا يجب أن يشرب ضيوفي وأصدقائي على حساب الحكومة».


5 تواريخ

1955
الولادة في القاهرة

1982
تخرّج من قسم التاريخ في كلية الآداب في «جامعة القاهرة»

1999
صدر كتابه «طومان باي السلطان الشهيد» (ميريت)

2009
عيّن أميناً عاماً لـ«المجلس الأعلى للثقافة» في مصر

2010
يصدر له كتابان عن «دار الشروق: «مصطفى النحاس»، و«علي بك الكبير» ويشارك اليوم وغداً في «مؤتمر السياسات الثقافيّة» في بيروت