«حجب تحويل الأموال إليها منذ أكثر من عامين»صور- آمال خليل
بنيّة بيئية، حضرت خلال الأسبوع الماضي وفود سياحية وطالبية عدة من مدارس في بيروت والمناطق، جال قسم منها في المحمية، وسيجول آخرون اليوم وغداً، بعدما أمضى مئة ناشط بيئي وخبير وغطاس لبناني اليوم العالمي للبيئة في ربوعها بالتنسيق مع إدارة المحمية. هكذا، توجه جزء من الزوار بالدراجات الهوائية على الخط الساحلي من مدينة صور نحو الناقورة، وأبحر قسم ثانٍ مع الصيادين بزوارقهم لمشاركتهم برمي الشباك وجمعها. أما القسم الثالث فجال في أرجاء المحمية، وغطس آخرون في المنطقة البحرية التي تقع في نطاقها.
وإذا كان المهتمّون يحتفلون بالبيئة هذا العام، لأسبوع واحد ضمن نشاطات وزارة البيئة، فإن القيّمين على المحميّة يحتفلون بها يومياً بسبب حجم المخاطر المحدقة بها. فالمنطقة الساحلية الممتدة على مساحة 380 هكتاراً من جنوب مدينة صور حتى بلدة رأس العين، أُعلنت محمية طبيعية في عام 1998 بموجب قانون رسمي، لكونها آخر شاطئ رملي باقٍ في لبنان، وملاذاً للطيور المائية وممراً لهجرة هذه الطيور. كذلك فإنّها مدرجة على لائحة رَمسار للأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية. واللافت أنّ المحمية تقع ضمن معالم مدينة صور التي أدرجت عام 1984 على لائحة التراث العالمي.
ويمثل تقسيم المحمية إلى ثلاثة أقسام «حيوية» لجهة ميزاتها ووجهة استخدامها، عاملاً لاعتبارها محمية «بتصرف» أو محمية عامة بسبب تفاعل الناس في محيطها مع مكوناتها، مع ما يستدعي ذلك من آثار سلبية وإيجابية.
فالقسم الأول هو قسم السياحة، وهو عبارة عن شاطئ رملي مفتوح للعموم على مدار السنة لكل الأنشطة الترفيهية والرياضية المختلفة، مع تركز الطابع السياحي خلال موسم الصيف حين تستحدث عدد من المقاهي والخيم البحرية. والقسم الثاني هو الحماية، حيث توجد مستنقعات من المياه العذبة بمحاذاة الشاطئ تستوطنها أنواع من الحيوانات البرمائية وينبت حولها 275 نوعاً من النباتات تنتمي إلى أكثر من 50 عائلة منها ستة أنواع مهددة على الصعيد الوطني وأربعة متفردة وعشرة نادرة بينها 50 نوعاً خاصاً بشرق البحر المتوسط. وهذا القسم هو موطن للسلاحف البحرية الخضراء والضخمة الرأس وللطيور، بينها نوعان من الخفاش الصغير والكوهلي المهددين بالانقراض. أما القسم الثالث فهو الزراعة والآثار التي تعود إلى العهد الفينيقي وتشمل أراضي زراعية واسعة وبرك رأس العين الأثرية وطاحونة الماء.
تواجه الأقسام الثلاثة تحدّيات مختلفة بسبب انفتاحها على الزوّار والمقيمين. ففي قسم السياحة هناك الشاطئ المفتوح للعموم للسباحة والتنزّه يقصده المئات يومياً، علماً بأن قانون المحمية قد نظم وجود الخيم والمقاهي البحرية فيها وفق شروط استثمارية خاصة بالتنسيق مع بلدية صور، وخفض حجمها من أكثر من 112 خيمة إلى 48 خيمة حالياً. إلا أن التشدد المفروض على المستثمرين من إدارة المحمية ووزارة البيئة في منع استخدام الإسمنت في إنشائها، بل وفق مواصفات البناء الإيكولوجي وأن تكون بعيدة عن الشاطئ بـ110 أمتار، لا يحمي مكونات الشاطئ من «المستخدمين» اليوميين له. والمتضرران الأولان هما الغطاء النباتي والسلاحف البحرية التي تقصد المكان سنوياً بين شهري أيار وتشرين الأول لتضع أعشاشها ما بين العاشرة والرابعة ليلاً، مستفيدة من الظلام والسكون. يذكر أن نصب الخيم يتزامن مع وضع السلاحف.
من هنا، فإن الضجة التي يحدثها الساهرون في الخيم حتى وقت متأخر، دفع بمدير المحمية المهندس حسن حمزة إلى دعوة أصحابها للاتفاق على شروط جديدة، بعد وقف شفط الرمول، من شأنها أن «تحمي المحمية، منها تخفيف الأصوات والأضواء وفرز النفايات، وتحثهم مع المرتادين على عدم التعرض للسلاحف وأعشاشها إذا ما وجدوها، والتبليغ عنها فوراً».
حمزة يتحدث عن زيارته مدارس المنطقة لإلقاء ندوات توعية على المحمية ومكوناتها، ولا سيما الطيور والسلاحف «بهدف إشراك جميع أفراد المجتمع في حماية المحمية»، يقول. وفي الوقت ذاته، شرعت غرفة العمليات في المحمية بالقيام بمسح شامل لمراقبة حركة السلاحف على الشاطئ الممتد من جل البحر حتى الناقورة.
أما قسما الحماية والزراعة والآثار، فإنهما مهددان بالتلوث البيئي بسبب المياه المبتذلة التي تصرف في البحر من مخيم الرشيدية الذي يشطر المحمية إلى قسمين، ثم مكب رأس العين للنفايات الذي يزاحم السهول الزراعية ويتسرب إلى المياه الجوفية والآبار.
إلا أن حجم الأخطار المحدقة بالمحمية أكبر بكثير من الخطة المعدة لمواجهتها من وزارة البيئة المعنية التي تتبع إليها المحمية. إذ إن طاقم المحمية يضم ستة أفراد فقط بين مدير ومساعد و3 حراس وعامل نظافة، إلى جانب متطوعين اثنين. فضلاً عن أن الميزانية المتواضعة المرصودة لها تتعثر بتعثر الأحوال السياسية والاقتصادية، مثل حجب تحويل الأموال إليها منذ أكثر من عامين. من هنا، يتبين أن الخطوات القليلة المتخذة معتمدة على التمويل الأجنبي بجزء منها مثل تسييج نطاق المحمية المحاذي للطريق الرئيسية. إلا أن حمزة المزدحمة أجندته بالاقتراحات وأفكار المشاريع، يقر بأن «حماية المحمية هي حلقة متواصلة تبدأ بوزارة البيئة ولا تنتهي بتوفير مصادر التمويل، وتعتمد أساساً على أفراد المجتمع المحلي الذين يحمون محيطهم الطبيعي بمبادرات بسيطة وفردية».


السلاحف شعار المحمية