عمر نشّابةكادت أخبار الأسطول تطغى على الحرّية، وكادت قضية الرهائن الـ700 تتفوّق إعلامياً على معاناة 8 آلاف أسير وأسيرة في السجون الإسرائيلية. كما كاد خطاب الرئيس رجب طيب أردوغان يعلو أصوات آلاف المناضلين والمناضلات الذين استشهدوا في ميدان المواجهات المستمرّة منذ ثورة 1936. وكادت الأعلام التركية الحمراء المزيّنة بالهلال والنجمة تغطي علم فلسطين العربية الممزّق. وكادت فلسطين تختصر بقطاع غزّة المحاصر.
في ذلك ما تستفيد منه إسرائيل بحيث يُعدّ إطلاق 700 رهينة أبقاهم العدو ساعات في معتقلات مؤقتة انتصاراً تاريخياً للحرّية. وللمناسبة تنظّم مهرجانات حاشدة تُستعرض خلالها تفاصيل بطولات المواجهات الأخيرة، بينما لا يحظى آلاف المقاومين في سجون إسرائيل إلا بلفتة عابرة. ولا تُروى عذاباتهم ولا تصفّق وتهتف لهم الحشود الغاضبة. فلا سفينة لهؤلاء ولا كاميرا ولا وطن يعودون إليه أبطالاً منتصرين.
في ذلك ما تسفيد منه إسرائيل بحيث إن أعداد وأسماء كل شهداء العدوان البحري الإسرائيلي على أسطول الحرية ما زالت مجهولة، ولم تبذل القوى المتضامنة الجهد الكافي، بعد مرور أيام على المجزرة، في التعريف عنهم بعد إبلاغ ذويهم باستشهادهم.
في ذلك ما تستفيد منه إسرائيل بحيث يُعدّ خطاب الرئيس أردوغان خطاب الأمّة. وبدل أن يُعمل على إعادة إطلاق الخط العربي المقاوم، تصبح تركيا (كما إيران للبعض) القوة البديلة التي ترتكز عليها الجماهير العربية في قضية فلسطين. تصبح تركيا بالنسبة إلى الشباب العربي المنبهر بشاشات التلفزيون في الصالونات والمقاهي، اللاعب الأساسي في مباريات تحرير فلسطين الدولية. وتختلط أعلامها الحمراء بأعلام البرازيل وألمانيا والأرجنتين الخاصة بمباريات كرة القدم.
في ذلك ما تستفيد منه إسرائيل بحيث يمرّ خبر غارة جوية إسرائيلية على قطاع غزّة المحاصر واستشهاد ثلاثة فلسطينيين، مرور الكرام. يُكتفى بالعنوان، فلا جديد ولا ما يدعو للإصغاء الى الخبر العاجل.
في ذلك ما تستفيد منه إسرائيل بحيث يجهض مندوب الولايات المتحدة الأميركية الى مجلس الأمن ولادة لجنة أممية مستقلّة لتقصّي الحقائق من دون أن يلاحظ أحد. فأحلام وخرافات انضمام الجيش التركي الى طلائع المقاومة باتت الشغل الشاغل ولا وقت لمتابعة وقائع العدوان الدبلوماسي المستمرّ.
في ذلك ما تستفيد منه اسرائيل بحيث تقتصر فلسطين على قطاع غزّة ويتحوّل النضال لتحرير كامل الأرض بما فيها القدس الشريف، الى حملة لفكّ الحصار عن جزء منها. إذ يعدّ فتح معبر رفح إنجازاً قومياً عربياً يستحقّ حسني مبارك عبره التمديد (أو التوريث) لرئاسة الجمهورية العربية المتحدة. ويعد وزير الخارجية التركي داوود أوغلو بعودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى «طبيعتها» (أي إلى استئناف تصنيع دبابات الميركافا في المصانع التركية) بمجرّد فكّ الحصار عن قطاع غزّة.