ثمة ضجيج في قوى الأمن الداخلي. في بداية الشهر الماضي، مُنِح عدد من الضباط قِدَماً استثنائياً للترقية. يراها مؤيدوها «أقل الواجب». أما المعارضون، فيؤكدون أنها ليست أكثر من ترتيبات استباقية لمجلس القيادة الذي سيواكب وسام الحسن عند تسلمه منصب المدير العام
حسن عليق
«وسام الحسن يريد السيطرة على المديرية». ترددت هذه العبارة طيلة الأسابيع الماضية على لسان أكثر من ضابط ومسؤول في قوى الأمن الداخلي. ومناسبتها، المرسوم الصادر بداية الشهر الماضي، الذي مَنح العقيد وسام الحسن قِدَماً استثنائياً للترقية، مدته عام واحد. رئيس الجمهورية ميشال سليمان أصدر مرسومين منح بموجبهما قدماً استثنائياً لستة ضباط من الأمن الداخلي، ولأكثر من 14 ضابطاً من الجيش، بسبب دورهم في مكافحة الإرهاب. في الجيش، لم يُسمَع أي اعتراض على المرسوم. فكل من له نصيب في تلك «الإنجازات» نال مكافأة. أما في الأمن الداخلي، فيبدو واضحاً أن معسكر منتقدي المرسوم أكبر من معسكر مؤيّديه. والمعترضون لا يعلنون رأيهم من منطلقات سياسية، إذ إن معظمهم يؤيدون التيار السياسي الذي ينتمي إليه الحسن. وموجب الاعتراض ليس اسم الحسن وحده، بقدر ما هو الغبن اللاحق بضباط ورتباء.
فالضباط الذين نالوا قدماً استثنائياً هم، إلى الحسن، رئيس مكتب الأمن العسكري العقيد سعيد فواز (6 أشهر)، والعقداء الرئيس السابق لمكتب التحقيق جورج حداد ورئيسا مكتبي البقاع وجبل لبنان موريس بو زيدان وجهاد حويك (3 أشهر لكل منهم). هؤلاء من «شعبة» المعلومات. يضاف إليهم العقيد فؤاد الخوري (6 أشهر)، رئيس مكتب مكافحة جرائم السرقات الدولية، بسبب دوره في استرداد سيارات مسروقة.
أما منبع الاعتراض، فيكمن في كون القِدَم الاستثنائي للترقية هو «أخطر مكافأة ينالها الضابط»، على حدّ قول عضو في مجلس قيادة الأمن الداخلي، مضيفاً: إنها المكافأة الوحيدة التي تجعل المرؤوس رئيساً. أضف إلى ذلك أنها تُمنح عند تحقيق إنجاز «خارق»، بحسب قانون تنظيم الأمن الداخلي (17/90).
السؤال الأول الذي ينطق به المعترضون على المرسوم: لماذا حُصرت المكافأة في هؤلاء الضباط؟ ولماذا جرى تجاهل من هم أدنى رتبةً، رغم كونهم «حجر الزاوية في أي عمل أمني؟».
في قيادة المديرية، يؤكد أحد الضباط البارزين أن سبب مكافأة الضباط الستة، هو «إضافة إلى دورهم المحوري في مكافحة الإرهاب، محاولة تثبيت حق الضباط والرتباء الآخرين الذين عملوا في هذا المجال. إلا أن مكافأة الفئة الأخيرة بحاجة إلى قرار من مجلس القيادة الذي لا يسمح التوازن الحالي فيه بصدور قرار مماثل. وبناءً على ذلك، يصبح حقّ المعترضين عند مجلس القيادة لا عند المدير العام الذي له صلاحية اقتراح مكافأة الضباط من رتبة عقيد وما فوق». ويؤكد المسؤول ذاته أن ثمة اقتراحاً لمنح نحو 30 أمنياً، هم دون رتبة عقيد، مكافآت قِدَم استثنائي. وهذا الاقتراح سيسلك طريقه إلى النور مباشرة بعد تأليف مجلس قيادة جديد. هذا في مكافحة الإرهاب، أما في مكافحة التجسس الإسرائيلي، «فلن نترك أي أمني له نصيب في ما حققناه من دون مكافأته».
هذا الكلام لا يخفف من غضب الضباط غير الراضين عن المكافآت. يقول أحدهم: «رُبِط مصير المغبونين منّا بتوافق السياسيين على مجلس قيادة جديد»، وإلى ذلك الحين، «يدرى من يعيش». وفي حال حصول معجزة سمحت بتوافق داخل مجلس القيادة، فهل ثمة من يظن أن مرسوماً ثانياً سيصدر، فيما المرسوم الأخير مرّ «في ظل مرسوم الجيش». يضيف الضابط ذاته: «إن وجود اسم وسام الحسن على رأس الاقتراح يمنح الضباط حماية فقدوها اليوم».
ثمة اعتراض آخر. فمنذ عام 2005، يكاد منح المكافآت يكون حكراً على العاملين في «شعبة» المعلومات. وعندما يطرح هذا القول على المعنيين في المديرية، يجيبون: «العاملون في المعلومات هم أكثر من حققوا إنجازات والأكثر عرضة للخطر». وعلى هذا القول، يردّ المعترضون طارحين عدة أسئلة: «إذا كانت هذه هي القاعدة، فلماذا لم يكافأ الضباط الذين عرّضوا حياتهم للخطر في شارع المئتين (أيار 2007)، كالنقيب الذي أنقذ حياة الملازم أول وسام عيد «تحت النار»؟ وماذا عن الملازم أول (من الفهود) الذي رمى أفرادٌ من فتح الإسلام نحوه قنبلة يدوية انفجرت بين قدميه، وأقعده العلاج لأسابيع في المستشفى؟ ومن يقول إن رجال المعلومات هم الوحيدون الذين يعرّضون حياتهم للخطر؟ ففي كل يوم تحصل مواجهات بين رجال الأمن ومطلوبين، من دون أن يُكافأ أي منهم».
يضيف المعترضون: إذا كان المقياس هو جهد العاملين في «المعلومات»، فلماذا لا يُنظَر إلى الجنود المجهولين منهم؟ ومن يهتم برتباء المكتب التقني ومجنّديه الذين لهم فضل كبير في تطوير الفرع؟ وماذا عن «صغار» الضباط الذين لا يزالون مهددين في حياتهم وعائلاتهم حتى اليوم؟ ولماذا لم يمنح ضباط «المعلومات» مكافأة بسبب دورهم في توقيف شبكة عبد الغني جوهر (عام 2008)، رغم أن زملاءهم في الجيش الذين شاركوا في العملية ذاتها حصلوا على المكافأة، علماً بأن بياناً أصدره الجيش حينذاك تحدّث، في سابقة من نوعها، عن تعاون بين المؤسسة العسكرية والأمن الداخلي أدى إلى التوقيف؟
ترتيب مجلس القيادة
الأسئلة لا تكاد تُحصَر. يجيب عنها مسؤول أمني قائلاً إن المرسوم الأخير «يهدف إلى تقديم العقداء المكافَئين على زملائهم، لجعلهم المرشحين التلقائيين لعضوية مجلس القيادة، في اللحظة التي يُعَيّن فيها العقيد وسام الحسن مديراً عاماً».

لماذا لم يكافأ الضباط الذين عرّضوا حياتهم للخطر في شارع المئتين؟
ومن هنا يبدأ النقاش في أسماء الممنوحين قدماً استثنائياً. فالعقيد جورج حداد، كان رئيساً لمكتب التحقيق في فرع المعلومات حتى نهاية عام 2007، حين نقل من موقعه إلى سرية الدرك في بعبدا. ورغم أن الرواية الرسمية في المديرية تقول إن لحداد الفضل الأكبر في تنظيم هذا المكتب، ثمة من يتساءل عن سبب نقله من موقعه إذا كان ناجحاً لدرجة مكافأته. أما العقيد موريس بو زيدان، فلم يظهر له دور مباشر في «مكافحة الإرهاب»، فيما يؤكد مسؤولون أمنيون أن سبب مكافأته يعود إلى الدعم الذي قدمه لقوى 14 آذار خلال الانتخابات النيابية في زحلة عام 2009! أما العقيد جهاد حويك، «فيكاد سجله يخلو من أي إنجاز، باستثناء تنفيذ ما يُطلَب منه».
وللعقيد فؤاد الخوري قصة أخرى. صحيح أن المكتب الذي يرأسه (في قسم المباحث الجنائية الخاصة في الشرطة القضائية) تمكن من استرداد عدد كبير من السيارات المسروقة خلال العام الماضي، إلا أن ذلك لم يكن ممكناً من دون المساعدة الكبيرة التي تلقاها من حزب نافذ. ويتندر أحد الضباط قائلاً إن «من يستحق هذه المكافأة هو مسؤول في الحزب المعني لا الخوري».
يبقى العقيد سعيد فواز. مصادر المدير العام تقول إن فواز هو الذي يتسلّم إدارة فرع المعلومات في غياب العقيد وسام الحسن. وقد حصلت عدة توقيفات «لشبكات إرهابية» في ظل إدارته للفرع. هذا بدوره لا يقنع المعترضين الذين يقولون «إن فواز هو رئيس «فرع» الأمن العسكري. وإن أبرز أولوياته جمع المعلومات عن المخالفات داخل المديرية، وإجراء التحقيقات اللازمة بشأنها. لكن عمل «الأمن العسكري» يبدو باهتاً جداً، إلى حد أن أي ملف فساد ذي قيمة لم يُكشف خلال السنوات الماضية».


المدير العام؟

في عام 2007، نال العقيد وسام الحسن قدماً استثنائياً لعام واحد، بعد توقيف المشتبه في ارتكابهم جريمة عين علق (أدت المساومات داخل مجلس القيادة حينذاك إلى حرمان عدد من الذين شاركوا في التحقيق المكافأة، وإضافة أسماء ضباط لا علاقة لهم بالقضية، على حدّ قول أعضاء في المجلس). ويسمح المرسوم الذي صدر بداية الشهر الماضي للحسن بأن يُرَقّى إلى رتبة عميد بداية عام 2012. وثمة مشروع لمنحه قدماً استثنائياً مدته عامان بسبب توقيف المشتبه في تجسسهم لحساب الاستخبارات الإسرائيلية. ويعني ذلك أن الطريق باتت ممهّدة أمامه لكي يتسلّم منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي، مباشرة فور إحالة اللواء أشرف ريفي على التقاعد عام 2013. وفي ذلك الحين، سيكون الحسن المرشح الأقوى، لا بسبب تقدمه على زملائه وحسب، بل لأن علاقاته السياسية والحظوة التي له عند رئيس الحكومة سعد الحريري تمكّنه من ذلك. وعندما يُسأل المقرّبون منه عن الاتهام الموجّه إليه بترتيب مجلس القيادة منذ الآن، لا ينفون ذلك قائلين: هذا حقّه!