عمر نشّابةلا يبدو أن أحداً في لبنان يقبل التراجع عن حقّ ذوي جميع ضحايا القتل والإرهاب وأحبائهم بالاقتصاص من مسبّبي آلامهم وجراحهم العميقة. لكن ألا يُفترض أن تتلازم ثقافة العدالة مع ثقافة المقاومة؟
هل القوى الغربية (أو ما يسمى «المجتمع الدولي») التي تدعم إسرائيل وتحميها وتساندها في قتل الناس وتشريدهم وتعذيبهم ومصادرة أرضهم وأملاكهم يمكن أن تنشئ محكمة هدفها تحقيق العدالة للبنان؟
هل محكمة دولية آتية من كواليس السياسة الغربية تخدم العدالة أكثر من إطلاق محاكم وطنية لبنانية تتمتّع بالنزاهة والكفاءة والاستقلالية؟
وإذا وقعت المشكلة بعد صدور القرارات الاتهامية الدولية، فهل سيدفع القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيزي والقاضي البلجيكي دانيال فرانسين والمدعي العام الكندي دانيال بلمار الثمن؟ أم سيدفعه اللبنانيون أنفسهم بحياتهم وأملاكهم ودولتهم ومؤسساتها (أو ما بقي منها)؟
هل يعتقد اللبنانيون أن لاهاي أحرص على بيروت من بيروت نفسها؟ أم أن كاسيزي وفرانسين وبلمار أكثر حرصاً على حقوق اللبنانيين من إخوتهم وأخواتهم؟ وما هو حجم الفارق بين مقدار الثقة التي يمنحها اللبنانيون لمحكمة دولية ومقدار الثقة التي يمنحها بعضهم لبعض؟
أليست الثقة التي يمنحها البعض لبلمار اليوم شبيهة بالثقة التي منحت لديتليف ميليس عام 2005؟ وهل ما زال أحد في لبنان يدافع عن صدقية ميليس اليوم؟
أليس من المستبعد ألا تسعى أجهزة استخبارات غربية وإسرائيلية وعربية بكل ما لديها من نفوذ للتأثير على المحكمة الدولية لخدمة مصالحها؟
أليس من مصلحة بعض القوى الكبرى اتهام حزب الله بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟
هل يرجّح بعض اللبنانيين أن تتضمّن لائحة الاتهام شركاء لهم في الوطن من طائفة أو مذهب معيّن؟
هل في الأمر صدفة، أم أن هناك مشكلة يفترض معالجتها بهدوء؟
هل يجوز أن يشتبه البعض بكلّ من يخشى التلاعب بالتحقيق الدولي؟ وهل يُعقل أن تُتّهم مقاومة نشأت على أساس تحقيق العدل ونصرة المظلومين باغتيال رئيس حكومة وقف إلى جانبها في خلال عدوان 1996؟
هل كاسيزي وفرانسين وبلمار على قدر المسؤولية؟
هل إغفال مكتب بلمار التحقيق مع شخص اعترف بارتكاب الجريمة ثمّ عاد عن اعترافه لأسباب مجهولة يدعو إلى الثقة به؟
هل رفضه التحقيق مع أشخاص قدّموا معلومات تبين أنها غير صحيحة عن مرتكبي الجريمة يدعو إلى الثقة به؟
هل عجز المحكمة وكلّ أجهزتها عن معالجة مشكلة «تسريبات» مضمون التحقيق السرّي يدعو إلى الثقة بها؟
وقبل كلّ ذلك، هل في لبنان وبين اللبنانيين قيم سائدة مبنية على ثقافة العدالة؟