تتميّز بلدة عيتا الشعب عن القرى المجاورة بأنها لم تخلُ يوماً من أهلها، سواء في أيام الاحتلال أو في أيام الحرب ما جعل وضعها خاصاً على صعيد إعادة الإعمار
داني الأمين
تعود شتول التبغ شيئاً فشيئاً إلى عيتا الشعب، تملأ حقولها الواسعة ومنازلها التي أعيد بناؤها. ففي كلّ منزل من المنازل التي دمّرت في تموز 2006، وأعادت قطر إعمارها، غرفة أو أكثر لتوضيب أوراق التبغ. هنا تجتمع الأسرة بصغارها وكبارها للعمل، ولا تخلو أي جلسة من الحديث عن «تعويضات قطر»، من دفع له ومن سيُدفع له لاحقاً... واستجدّ في الأيام الأخير حديث عن الاحتفال الذي سيقام اليوم في بنت جبيل وإحصاء لأبناء البلدة الذين سيشاركون فيه.
عيتا، البلدة التي تحولت أيقونة خلال الحرب، تختلف كثيراً عن البلدات الثلاث الأخرى التي تبنّت قطر مسؤولية إعادة إعمارها (عيناتا وبنت جبيل والخيام). فهي لم تخلُ يوماً من أبنائها، الذين قرّروا البقاء فيها متمسّكين بزراعة حقولهم الواسعة، ويقيم فيها اليوم نحو 8100 نسمة من أصل 11000. هذا الأمر جعلها البلدة الأكثر تضرّراً من الحرب، ليس بسبب ارتفاع عدد المنازل التي هدمت أو تضرّرت فيها فحسب، بل لأن جميع المقيمين فيها عادوا إليها بعد الحرب مباشرة وتحمّلوا عناء انتظار إعادة الاعمار والسكن عند الأقارب أو في أماكن مستأجرة أو بين الركام.
اليوم، هم يعيشون في ظروف أفضل بعد أن عادت معظم منازلهم إليهم، لكن أوضاعهم المادية السيئة على حالها، بسبب الديون المتراكمة وزيادة غلاء المعيشة. تراهم مجمعين على أمرين، توجيه الشكر لقطر، والتعبير عن غضب على الدولة وحكوماتها المتعاقبة التي لم تحرّك ساكناً لمساعدتهم وحتى زيارة البلدة والاطلاع على أوضاعها.
في الأرقام، أنجزت قطر حتى الآن بناء 900 وحدة سكنية كانت مهدّمة بالكامل من أصل 1100، وينتظر أصحاب 200 وحدة استكمال الدفعة الأخيرة من التعويضات لإنهاء بيوتهم إضافة إلى نحو 300 وحدة من أصل 900 صنّفت متضرّرة. وتفيد الأرقام المتداولة أن عدد الوحدات السكنية التي أعادت قطر بناءها أو ترميمها وصل الى أكثر من 2000، إضافة الى بناء مسجدين، مدرسة، مستوصف، مركز للبلدية ومركز للدفاع المدني، وترميم 5 مدارس أخرى والمساهمة في إصلاح الطرقات وإنارة الشوارع بعد الحرب مباشرة ما يعني أن قطر دفعت أكثر من 100 مليون دولار أميركي على إعادة بناء عيتا الشعب وحدها حتى الآن.
يقول رئيس البلدية علي سرور: «لولا قطر لما استطاع معظم الأهالي العودة إلى منازلهم. 99% من التعويضات حسم أمرها ودُفع الجزء الأكبر وسيُدفع الجزء القليل الباقي، ولا يوجد الاّ منزل واحد مهدّم سقط سهواً من إحصاءات لجان الكشف لكن تمّ تداركه اليوم». ويؤكّد أنه «لو كانت آلية دفع التعويضات أكثر دقّة لتكلّفت قطر مبالغ مالية أقل مما أنفقته، لذلك فهي دفعت أكثر ما نستحقّ». موضحاً أنه «على الرغم من التبرّع اللاّمحدود لقطر، واجهنا مشكلتين مع المتضرّرين، الأولى اعتراض عدد كبير من الأهالي على تصنيف منازلهم بالمتضرّرة لكونها بحسب رأيهم تحتاج إلى الهدم، والثانية المشاكل التي نجمت عن ترميم المنازل التي لم تستطع الحدّ من مشكلة تسرّب المياه في فصل الشتاء ما أسهم في تأخير إنجاز عملية دفع التعويضات حتى اليوم».

دفعت قطر نحو 100 مليون دولار أميركي في عيتا حتى الآن
هذا التأخير رتّب في المقابل أعباءً مالية إضافية على المتضرّرين الذين اضطرّوا إلى دفع بدلات الايجارات والاستدانة من التجّار وأصحاب المصالح لبناء منازلهم أو ترميمها ريثما يحصلون على التعويض. يقول حسن باجوق «لقد أنصفت قطر جميع المتضرّرين من الحرب لكن المشكلة كانت في تأخير الدفعات المتلاحقة من التعويضات، لأن ذلك حمّل الأهالي أعباء مالية كبيرة، من بدل الايجارات والديون التي أنفقت لإنجاز البناء وترميمه». ويقول أحد متعهّدي البناء في البلدة «ازداد عملي كثيراً كما ازداد عمل معظم المقاولين والتجار وأصحاب المصالح، لكن التأخر في دفع التعويضات جعلني مديناً لأصحاب ورش البناء بـ270 ألف دولار خلال السنوات الأربع الماضية».
في «الحارة التحتا»، التي جرفتها بالكامل الجرافات الاسرائيلية، أعيد بناء كلّ المنازل التي يصل عددها إلى سبعين. ويقول أبو باسل باجوق «لقد أعدت بناء منزلي من جديد بعد أن دفعت لي قطر 40 ألف دولار من أصل 55 ألفاً وما بقي أنتظر الحصول عليه قريباً، نحن جميعاً نكنّ الاحترام والتقدير لدولة قطر التي لا نعرف كيف سنوجّه لها الشكر على ما فعلته لنا». وهذا ما يعبّر عنه نعمة جعفر حين يقول: «ما حصلت عليه من تعويضات كان كافياً لإعادة بناء منزلي المهدّم وفي مكان مستقلّ عن منزل أهلي، والجميع ينتظر اليوم زيارة الأمير القطري لاستقباله وشكره».