تسلّم مدينة بنت جبيل اليوم مفتاحها إلى أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، خلال احتفال جماهيري يفتتح خلاله سوق المدينة ومستشفاها اللذين أعادت قطر إعمارهما مع قرى عيناتا، عيتا الشعب والخيام
داني الأمين
تغيّر كلّ شيء تقريباً في بنت جبيل خلال السنوات الأربع الأخيرة. المدينة التي تحوّلت ركاماً بعد عدوان تموز 2006، ترتفع اليوم مجدداً بدعم من دولة قطر التي أعادت بناء المنازل المهدّمة وفق خطة عمرانية، حافظت قدر الإمكان على التراث القديم، ولبّت رغبة الأهالي وحاجاتهم.
«اللّي ما عندو بيت عمّر بيت جديد» يقول جاد سعد، أحد تجار بنت جبيل، لافتاً إلى أن «عدد منازل بنت جبيل تضاعف خلال أربع سنوات. فالتعويضات كانت فرصة للجميع لكي يبنوا منازل جديدة وملائمة، على الرغم من خسارة منازل المدينة القديمة التي كانت شبه مغلقة قبل الحرب، وجزء كبير منها غير صالح للسكن».
على الرغم من ذلك، حوفظ على أكثر من مئة منزل تراثي من الحجر القديم، يعود تاريخ بناء أغلبها إلى أكثر من 200 سنة. فقد لحظت قطر أهمية المحافظة على هذه البيوت، وسلّمت أصحابها تعويضات توازي تلك التي تمنح إلى أصحاب المنازل الكبيرة المهدّمة، أي 40 ألف دولار عن الوحدة السكنية الواحدة مهما كان حجمها. وشيّدت هذه البيوت بطريقة هندسية لافتة تجسّد تراث بنت جبيل العريق، الذي كاد يندثر بعد تهدّم أكثر من 1250 منزلاً في حرب تموز، من بينها العدد الأكبر من المنازل التراثية. كذلك أتاحت قطر الفرصة للراغبين في ترك منازلهم المهدّمة وسط البلدة وبناء منازل خارجها.
وبحسب مدير المكتب الفني الذي أشرف على إعادة إعمار وسط بنت جبيل، المهندس هيثم بزي، فإن «قطر أعادت بناء 759 عقاراً في وسط بنت جبيل، من بينها مئة ومنزلان حوفظ على نمط بنائها الحجري القديم، وبلغ عدد الوحدات السكنية داخل وسط البلدة 1188 وحدة، إضافة إلى 259 منزلاً قرّر أصحابها البناء خارج الوسط، ونحو 650 منزلاً إضافياً خارج الوسط، ما يعني أن عدد الوحدات السكنية التي بنتها قطر في بنت جبيل وحدها تجاوز 2100 وحدة، إضافة إلى ترميم 2800 منزل وإعادة بناء 4 مدارس وترميم مدرستين أخريين وتجهيزهما بأحدث المعدّات».
لم تقتصر حركة العمران في بنت جبيل على ما بنته قطر، بل نشطت الحركة العمرانية في البلدة بنحو لافت، إذ يلفت رئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزي إلى أن مغتربي البلدة «تشجّعوا عندما وجدوا أقرباءهم يبنون منازل جديدة». ويقول هيثم بزي: «لولا قطر ما أقدم كثيرون على بناء منازل جديدة لهم، لكن معظمها فارغ من السكان».
بنت جبيل التي يزيد عدد أبنائها على أربعين ألف نسمة، لا يقطنها اليوم أكثر من ثلاثة آلاف نسمة، ومعظم المنازل التي بُنيت خالية من السكان، بسبب الوضع الاقتصادي السيّئ. أما الحركة التجارية في بنت جبيل، فهي شبه متوقفة، وخصوصاً بعد تهدّم معظم المحال التجارية داخل الوسط التجاري. وما قامت به قطر اليوم هو إعادة بناء سوق بنت جبيل المؤلفة من 120 محلاً تجارياً، وقد جهّز كل محلّ بمرحاض خاص، وعُبّد خطّا سير، واحد للذهاب وآخر للإياب.
ويوضح رئيس نقابة أصحاب المؤسسات التجارية في بنت جبيل طارق بزي أن قطر «أعادت بناء المحال التجارية بطريقة جيدة. ونظراً إلى ضيق مساحة السوق، زيد ارتفاع المحال التجارية، ما سمح باستثمار الجزء العلوي منها. أما القناطر الحجرية التي تحيط بالمحال التجارية، فصارت تمثّل رمزاً لكلّ محلّ تجاري شيّدته قطر».
على الرغم من ذلك، يرى تجار بنت جبيل أن «الدولة اللبنانية أساءت إليهم عندما غضّت النظر عن دفع التعويضات عن الأضرار التجارية التي لحقت بمعدّاتهم وبضائعهم». يقول طارق بزي «لولا قطر ماذا كان سيحلّ بتجّار المدينة الذين لم تدفع الدولة لهم حتى الآن ما خسروه من معدّات وبضائع؟ صحيح أن حزب الله دفع جزءاً يسيراً منها، إلا أنّ الخسائر التي لحقت بالتجار وبلغت كلفتها في حرب تموز 16 مليون و18 ألف دولار أميركي شلّت الحركة هنا. لذلك نقول الآن للحكومة نحن لا نستطيع فتح محالنا الجديدة من دون رأسمال، و80% من التجّار الذين خسروا بضائعهم في الحرب ينتظرون التعويض». الدليل الأكبر على ذلك هو «السوق التي أنشأتها الحكومة القطرية بديلاً مؤقتاً من السوق المهدّمة، إذ لم يُستخدم منها إلا 20 محلاً تجارياً من أصل 250 فاقت كلفتها مليوناً و300 ألف دولار، بعد أن جُهّزت بالبنية التحتية اللازمة، من ماء وكهرباء وإنارة». لكنّ هذه السوق تبقى مكسباً إضافياً لأبناء بنت جبيل، بعد أن عمد المجلس البلدي إلى شراء الأرض التي شيّدت عليها، وبات من الممكن اعتمادها مركزاً تجارياً آخر للبضائع الشعبية وصناعة المنتجات البلدية.

أعادت قطر بناء 428 منزلاً في عيناتا وترميم أكثر من 1100 منزل متضرّر
هذه الشكاوى لا تخفف من حماسة أهالي المدينة لاستقبال الأمير القطري. وقد باتت الاستعدادات للزيارة شبه مكتملة، وخصوصاً بعدما حضرت لجان فنية لمساعدة بلدية بنت جبيل على إنجازها. ومن الأمور التي اكتملت إنشاء لوحة تذكارية في سـاحة السرايا في السوق الجديدة، تتضمن عبارات شكر لأمير دولة قطر على إعادة إعمار 4 بلدات جنوبية وهي: بنت جبيل، عيناثا، عيتا الشعب والخيام. وستُنشئ اللجنة التنظيمية بوابة عند مدخل السوق الشمالي، حيث سيُسلّم مفتاح المدينة إلى الأمير القطري. بعدها يتقدم الأمير باتجاه النصب التذكاري الذي يفتتحه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ويكون ذلك بعد رقصة فولكلورية، ومن ثم يفتتح الأمير المستشفى الحكومي، وتُلقى الكلمات المعدّة للاحتفال.
عيناتا شهدت بدورها عمراناً مشابهاً لبنت جبيل. ويوضح رئيس بلدية عيناتا عباس خنافر أن قطر «أعادت بناء 428 منزلاً مهدّماً، وترميم أكثر من 1100 منزل متضرّر، إضافة إلى إعادة بناء مدرسة الإشراق التابعة لجمعية المبرّات الخيرية، وترميم مدرستين رسميتين في البلدة، وإعادة بناء مسجدين وترميم الحسينية».
وكما بنت جبيل، تفتقر البلدة إلى سكانها رغم زيادة العمران، إذ لا يقيم في البلدة اليوم أكثر من 1400 نسمة من أصل نحو 9000.


مستشفى لكلّ المنطقة

ربما كان ترميم مستشفى بنت جبيل الحكومي وتجهيزه بأحدث المعدّات الطبية أحد أهم الإنجازات التي حققتها قطر في منطقة بنت جبيل. هذا على الأقلّ ما يعبّر عنه أهالي المنطقة الذين لم يخفوا سعادتهم بسماع خبر إعلان افتتاح المستشفى اليوم في حضور الأمير القطري.
ويبدو أن الحكومة القطريّة قامت بأكثر مما وعدت به لتحقيق حلم أبناء المنطقة الحدودية المتعلّق بحاجتهم إلى مستشفى مجهّز بمختلف أنواع المعدّات الطبيّة، ليبقى نجاح المستشفى رهناً بالكادر الطبيّ المتخصّص والكفوء الذي سيلتحق به، والذي يحتاج اختياره إلى الحكمة والضمير بعيداً عن المحسوبيات والواسطات.
ويوضح رئيس مجلس إدارة المستشفى توفيق فرج أن «القطرييّن رمّموا المستشفى بعد حرب تموز، وأنشأوا البنى التحيّة، ثم جهزوا المستشفى بأحدث المعدّات وأكثرها تطوّراً، من قسم الطوارئ إلى العيادات الخارجية وقسم العناية الفائقة الخاص بالأطفال والكبار، إضافة إلى أقسام للأمراض الداخلية والعلاج الكيميائي والقلب والجراحة النسائية وجميع أقسام الجراحة الأخرى. كذلك هناك قسم خاص ومتطوّر جداً للعلاج الفيزيائي، وثلاث غرف كبيرة للعمليات الجراحية. وقد فاقت كلفة المعدّات 10 ملايين دولار أميركي».