انفجرت قنبلة يدوية في موقف سيارات عائد لنقابة المهندسين في بيروت. سارع سياسيون، كعادتهم، إلى وضع الحادثة في خانة «الرسائل السياسية»، غير أن المسؤولين الأمنيين القائمين بالتحقيق أكدوا الطابع الشخصي لما حصل
محمد نزال
دوّى صوت انفجار قرب نقابة المهندسين في بيروت قرب جسر الكولا، نحو الساعة 11 قبل ظهر أمس، تبيّن أنه ناتج من انفجار قنبلة يدوية في موقف السيارات العائد لموظفي النقابة. أدّى انفجار القنبلة، التي تضاربت آراء العسكريين في ما إذا كانت صوتية أو مشظية، إلى إصابة عامل سوري كان يعمل في ورشة قريبة بـ«بعض الحجارة الصغيرة التي تطايرت في المكان نتيجة للعصف الانفجاري»، بحسب ما قال مسؤول أمني متابع. كذلك تضررت نحو 7 سيارات كانت مركونة هناك، من خلال تحطم الزجاج واختراق أجسام صغيرة لها نتيجة التشظي.
حضرت القوى الأمنية إلى المكان وباشرت التحقيقات اللازمة، وحضرت قوة من مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني، فأوقفت صاحب إحدى السيارات التي حصل الانفجار بقربها، ويدعى ن م. وسيارته من نوع «هوندا CRV». تردد أن الموقوف ليس مهندساً ولا يعمل في النقابة، بل هو قريب إحدى الموظفات هناك. مسؤول أمني رفيع قال لـ«الأخبار» إنه تبين أن الموقوف، بحسب التحقيقات التي أجريت وما سجّلته الكاميرات المحيطة بالموقف، «رمى القنبلة قصداً، وقبل ذلك دار حول سيارته أكثر من مرة بطريقة مشبوهة». وعن الدوافع التي جعلته يرمي القنبلة، يقول المسؤول إن «التحقيقات لم تنته بعد، لكن يبدو أنه يريد لفت الأنظار إليه، أو أنه يريد التخلص من التزامات معينة»، داعياً السياسيين والمحللين إلى «وضع الحادثة في إطارها الشخصي الخاص جداً، وعدم تحميلها أكثر من حجمها، وخاصة في هذا الوقت الحساس الذي تمر فيه البلاد».
إثر الحادثة، عقد نقيب المهندسين في بيروت بلال العلايلي مؤتمراً صحافياً، قال فيه إن النقابة فوجئت بـ«الاعتداء» الذي حصل، معرباً عن إدانته لأي عمل يستهدف استقرار الجسم الهندسي وأمنه، الذي ينعكس سلباً على استقرار البلاد. سألت «الأخبار» العلايلي عن سبب وصفه الحادثة بـ«الاعتداء»، وخاصة أن القوى الأمنية أشارت إلى الطابع الفردي والشخصي لها، فأجاب: «هو اعتداء بالمعنى العام، فحتى لو تبيّن أن الدوافع شخصية، يبقى أن ما حصل هو اعتداء على حرم النقابة وملكيتها».
وضع نقيب المهندسين الحادثة في «عهدة الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية»، وتمنى على الجميع، بالأخص على «السادة السياسيين» عدم أخذها إلى أي ضفة «من ضفاف السياسة الداخلية، وترك للمختصين بأمن المواطنين وسلامتهم العمل الجاد لأخذ الإجراءات اللازمة، لمعرفة جميع الأسباب الكامنة وراء الحادثة المدانة على جميع المستويات».
يشار إلى أنه جرى تداول أكثر من رواية حول ما حصل، فبعض العاملين في النقابة ذكروا أن القنبلة كانت موضوعة تحت السيارة ومغلفة بكيس نايلون، وانفجرت عند مجيء الموقوف ن.م.، فيما أشار بعض العسكريين الذين كانوا في مكان الحادثة، إلى احتمال رمي شخص مجهول القنبلة من الخارج. ورأى بعضهم أنه يحتمل أن القنبلة كانت موجودة أصلاً مع صاحب السيارة، وانفجرت من طريق الخطأ، وخاصة أن بعض العاملين هناك أكّدوا أن القوى الأمنية عثرت في السيارة على بندقية من نوع «بومب أكشن».
هنا، يُشار إلى أنه يبدو أن عقلية استباق التحقيقات الجنائية قد أصبحت عرفاً مكرّساً عند بعض السياسيين في لبنان.

قوة من مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني أوقفت صاحب سيارة حصل الانفجار قربها

فبعد «اجتهادات» عضو كتلة «المستقبل»، النائب محمد قباني، إثر اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري قبل نحو 5 سنوات، التي جزم فيها (عكس ما أثبتته لاحقاً التحقيقات) أن الانفجار قد حصل من تحت الأرض، مستشهداً بعدد من الخرائط التي عرضها في مؤتمر صحافي آنذاك، أطل أمس على اللبنانيين ليقول إن القنبلة التي انفجرت في موقف السيارات العائد لنقابة المهندسين أمس، هي «رسالة قبل ساعات من وصول القادة العرب، في ظل الظرف السياسي الذي يمر به لبنان». مرة جديدة يستبق النائب قباني التحقيق، علماً بأن تصريحه جاء بعد نحو ساعة فقط من الحادثة، فيما أكّد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي لـ«الأخبار» أن الحادثة «فردية وشخصية جداً، ولا تحمل أي طابع سياسي، بحسب ما بينت التحقيقات مع صاحب السيارة التي انفجرت القنبلة إلى جنبها».
لم تكن حادثة انفجار القنبلة قرب نقابة المهندسين هي الوحيدة من نوعها خلال اليومين الماضيين، فقد ذكرت تقارير أمنية أن مجهولاً رمى قنبلة يدوية، أول من أمس، على أحد المحال التجارية في منطقة التبانة ـــــ سوق القمح في الشمال. انفجرت القنبلة لكن لم يصب أحد بأذى، فيما توارى ملقيها عن الأنظار وفرّ إلى جهة مجهولة.


لقطة

اتصلت «الأخبار» بعضو كتلة «المستقبل» النائب محمد قباني، وسألته عمّا قصده تحديداً في تصريحه الذي قال فيه إن حادثة القنبلة في موقف نقابة المهندسين إنما هي «رسالة قبل ساعات من وصول القادة العرب، في ظل الظرف السياسي الذي يمر به لبنان»، وعمّا إذا كان لديه معلومات تشير إلى ... وللتبانة حصّّتهاذلك.
ارتبك قباني قبل أن يقول «ما عندي معلومات أبداً، وممكن أنا كون غلطان».
سألته «الأخبار» مجدداً: هل برأيك من الصواب إطلاق تصريحات «ممكن تكون غلط» في ظل التوتر السياسي والأمني القائم في البلد؟ فأجاب النائب قباني: «يا عمي، أنا ما عندي معلومات، وهياني هلأ عم بسمع إنو الظاهر الحادثة شخصية وما إلها علاقة بالسياسة»!


... وللتبانة حصّّتها

منذ المصالحة الطرابلسية في أيلول 2008، تراجع مسلسل رمي القنابل عند «خط التماس» التقليدي بين محلتي باب التبانة وجبل محسن. رغم ذلك، بقيت المنطقة تشهد بين وقت وآخر رمي بعض القنابل الصوتية، التي تحدث بلبلة لا تلبث أن تتلاشى، بعدما يتبين أن من يرمونها يفعلون ذلك إما لأسباب وخلافات شخصية وفردية بين أفراد الحارة الواحدة، أو لأنهم تعودوا نمط حياة أرادوا العودة إليه، مشيرين إلى أن «رمي القنابل شبيه بتدخين السيجارة أو ما شابه»، بحسب ما يقول أحد المتابعين للشأن الأمني في منطقة الشمال. وإزاء التوتر السياسي والأمني الذي شهدته المنطقة سابقاً، بات مشهد رمي القنابل روتينياً في منطقة «لم تستطع أن تخرج بعد من أسر الصراعات الداخلية في الزواريب الضيقة» على حد تعبير أن المتابعين.