يزداد انتشار تعاطي المخدرات في قرى غرب بعلبك، في مقابل رفض أهالي تلك المناطق برامج التوعية والإرشاد. مصادر عديدة تؤكّد زيادة أعداد المتعاطين والسبب «تراكم المواد بسبب انعدام التلف» وانخفاض نسبة «التصدير»
رامح حمية ــ زينب زعيتر
يقف الأهل في قرى غرب بعلبك أمام خيارين عندما يتعلق الأمر بإدمان أبنائهم على المخدرات: فإمّا أن يبادروا إلى التبليغ عن المتعاطي أمام السلطات المعنية، أو السكوت «خوفاً من الجرصة»، وضياع المستقبل الوظيفي للابن أو الابنة. في كلتا الحالتين فإنّ نسبة متعاطي المخدرات تزداد كثيراً في لبنان، وتحديداً في بعلبك بحسب ما يؤكّد جوزف حوّاط رئيس جمعية «جاد»، فيما تتحدث مصادر أخرى على نحو أكثر تحديداً، فتقول إن قرى غرب بعلبك هي الأكثر تضرراً.
يتحدث حواط عن مدى انتشار التعاطي في قرى بعلبك، ويُرجح أسباب هذه الزيادة إلى «تكدّس مواد المخدرات، فالبضاعة تراكمت بكميات كبيرة ويمكن الحصول عليها بسعر متدنّّ جداً، بحيث إن تجار المخدرات لم يستطيعوا تصديرها جميعها إلى الخارج كما كان يحدث في السنوات السابقة». يتابع حوّاط «منذ ثلاث سنوات الدولة غير قادرة على تلف المخدرات في البقاع، وعندما نسأل عن الموضوع نكون أمام ثلاث حجج: حرب تموز، أحداث نهر البارد، وأحداث 7 أيار وما تبعها من تطورات». أدّى ذلك إلى تراكم المواد، وبات بإمكان أي شخص في مناطق غرب بعلبك الحصول على المخدرات وتعاطيها.
جهات أخرى، تؤكّد تفاقم انتشار تعاطي المخدرات في قرى غرب بعلبك، ومصادر أمنية تؤكّد أنّ أعداد الموقوفين في تلك المناطق بين عامي 2008 و2010 قليل جداً، «فيما أعداد المطلوبين في جرائم تعاطي المخدرات والتجارة أكثر بكثير».
الأب مروان غانم المرشد العام للسجون في لبنان، وصاحب مركز «علية ابن الإنسان» في البقاع لمعالجة مدمني المخدرات، يؤكّد «أن القرى البقاعية انتشرت فيها حالة الإدمان انتشاراً لافتاً، ولا يمكن استبعاد إلا عدد قليل جداً منها من دائرة تعاطي أبنائها للمخدرات»، وإن اختلفت نسب المدمنين بين قرية وأخرى، عازياً ذلك إلى «قرب موارد المخدرات من شبابها».
مسؤول أمني في البقاع لم ينف أن تعاطي المخدرات بأنواعها، يتفشى تفشّياً واسعاً في العديد من قرى وبلدات المحافظة، سواء في غرب بعلبك أو شرقها، إلا أنه «لا يمكن الخروج بنسبة مئوية إحصائية دقيقة لحالات الإدمان». يتركز الإدمان كما يشير المسؤول المتابع على فئات عمرية تبدأ من سن الثامنة عشرة وما فوق، فضلاً عن حالات «ما زالت قليلة لقاصرين لم تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة»، وهو ما اعتبره إشارةً خطيرة يُعمَل على مواجهتها بالسرعة اللازمة، من خلال التضييق وإلقاء القبض على سائر المروّجين وكبار التجار، وحتى المدمنين.
فئة واسعة من الأهل في غرب بعلبك تخاف «من الجرصة»، فلا تسمح بالكلام عن إدمان أبنائها المخدرات
لكن ماذا يفعل الأهل تجاه هذه المشكلة؟ إزاء خطورة ارتفاع نسبة الإدمان والنتائج الجرمية التي ترشح عنها، بادر «عدد قليل» من الأهل إلى اتخاذ خطوات «جريئة وشجاعة» في الإبلاغ عن أبنائهم، وتقديم شكاوى بحقهم، كما يؤكد أكثر من مسؤول أمني، وذلك لتوافر القناعة لدى الأهل بأنها الطريق الوحيدة لمعالجتهم. حسن، الرجل الخمسيني القاطن في إحدى قرى غرب بعلبك، كان من بين هؤلاء، ولم يكن يتوقع يوماً أنه سيكتشف ذات يوم أن ابنه البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً مدمن على المخدرات وبأنواعها المختلفة من هيرويين وكوكايين وحتى حشيشة كيف. الوالد يدرك أن مشكلة تعاطي ولده المخدرات لا يمكن السكوت والتغاضي عنها، ولديه من الجرأة ما يكفي للكشف أمام الجميع عن ذلك، بالنظر إلى خطورة المشكلة والمتمثلة بالضرر الجسدي الكبير من جهة، «وللمنحى الجرمي» الذي من الممكن أن يسلكه ابنه فيما لو بقي مدمناً من جهة ثانية. كل ذلك دفع الأب إلى اتخاذ «الخيار الصعب»، وهو تقديم شكوى بحق ابنه لدى القوى الأمنية بجرم تعاطي المخدرات، وقد اعتبر حسن أن الخطوة التي أقدم عليها «لا مفر منها إذا كان بدي حافظ على ولدي»، وذلك لقناعته بأن الإدمان سيكون «المدخل الطبيعي لعمليات جرمية أكبر، بدءاً من سرقة أموالي وأموال إخوته وصولاً لسرقة أرزاق الناس». الوالد الذي يعتبر نفسه «مش مقصر» بحق أولاده من مدارس ومصروف وسيارة، يعترف بأن غياب عامل الرقابة الفعلية على ابنه هو الذي أوصل الأمور إلى هنا، موضحاً أنه اكتشف تعاطي ابنه المخدرات منذ فترة وجيزة بعدما لاحظ «نحول جسمه وعصبيته المفرطة في بعض الأحيان». وأضاف أن أصل حكاية الإدمان عند ولده تعود إلى أصدقائه في البلدة الذين عرضوا عليه بداية سيجارة حشيشة «مجاناً»، ومن ثم «حبوباً يجهل اسمها»، لتتطور الأمور باتجاه الهيرويين والكوكايين.
ما زالت شريحة واسعة من الأهل في مناطق غرب بعلبك تخاف على أبنائها «من الجرصة»، وتفضّل التكتّم على الموضوع. يؤكّد حوّاط هذه الحالة ويأسف لعدم إمكانية نشر برامج التوعية والتدريب عن مخاطر المخدرات في قرى البقاع، ويرجع السبب «إلى إهمال تلك المناطق لبرامج التوعية، حاولنا مراراً التواصل مع البلديات والمسؤولين عن تلك المناطق لنشر برامج التوعية ولكن لم يلق الأمر القبول، مع أن برامجنا ونشاطاتنا تشمل معظم المناطق الللبنانية باستثناء تلك المناطق».
يحصل البقاعيون على المخدرات بكثافة وبأسعار زهيدة، وذلك لأنّ البائعين يقدمون نوعية سيّئة منها فيخلطونها مع الطبشور أو عظام البقر أو الأسبرين وغيرها. ويختلف الحال مع الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات في بيروت عن أولئك المتعاطين في قرى البقاع بحسب حواط «يتناول المتعاطي في بيروت إضافة إلى المخدرات، الكحول والحبوب المهلوسة، وأدوية السعال، بينما في البقاع المتعاطي يحافظ على النوعية بتعاطيه الحشيشة فقط إضافة إلى قليل من أنواع المخدرات الأخرى».
وعن الأسباب التي تدفع إلى تعاطي المخدرات في قرى غرب بعلبك تأتي فكرة «التوريط»، في الدرجة الأولى من المسببات. يشرح الأب غانم الفكرة «الشباب يقدم على توريط بعضه بعضاً في السهرات والاجتماعات التي تجمعهم بعضهم مع بعض، ولأسباب مختلفة»، موضحاً أن ثمة طرقاً عديدة يُلجأ إليها ومنها أن مدمن المخدرات الذي تعثرت أموره المادية، يسعى لأن يحتك بشاب آخر غير مدمن، فيقدم له المادة المخدرة أولاً وبصورة مجانية بغية توريطه ودفعه لاحقاً لشراء المخدرات لكليهما. ومن الطرق أيضاً سهرات الكيف «النرجيلة والحشيشة»، فضلاً عن «عنفوان الشباب» لدى رؤيته إحدى الصبايا تتعاطى المخدرات فيما هو لا يجرؤ على ذلك.
الإدمان على المخدرات عند الشباب لم يعد تأثيره يقتصر على المدمن فقط، بل تطور الأمر ليمثّل «دافعاً لسلوك أعمال جرمية بحق الغير»، كما بات معلوماً عند بعض الأهالي في قرى غرب بعلبك، وخاصة لجهة كيفية تأمين بعض متعاطي المخدرات في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية الرديئة التي تحكم بيئتهم، وبالتالي فإن ذلك يمثّل الدافع لدى بعض المدمنين على سلوك حالات جرمية في مقدمها السرقة.


مخدرات للميسورين وأخرى للفقراء

صدرت أخيراً دراسة عن الحشيشة، تبيّن أنّ هذه المادة على قدر من الخطورة لا يُستهان بها، حيث يبقى تأثيرها في جسد المتعاطي لمدة 30 يوماً، بينما الهرويين يبقى تأثيره لمدة 3 أيام. ويؤكّد حواط إقبال متعاطي المخدرات في البقاع على مادة الحشيشة بكثافة. والمخدرات التي يتم تعاطيها عدة أنواع، تبدأ من الحشيشة وتمر بالكوكايين والحبوب المخدرة وصولاً للهيرويين، الذي يعتبر من أكثر المواد الممنوعة خطراً، نظراً إلى سعره الزهيد الذي يتراوح بين عشرة آلاف ليرة وعشرين ألفاً للغرام الواحد. والسبب في ذلك بحسب أحد المروجين في قرى غرب بعلبك، يعود إلى حالة الشباب المادية الرديئة، يقول: «الهيرويين يُستقدم من دول عربية فقيرة كأفغانستان وباكستان، وهو يختلف عن الكوكايين المرتفع السعر الذي يتراوح سعره بين 30$ و100$ للغرام، والذي يستورد من كولومبيا أو فنزويلا، فيتعاطاه البرجوازيون والميسورون من الشباب». أمّا سيجارة الحشيشة فلا يتعدى سعرها العشرة آلاف ليرة، ويعتبرها كثيرون «عبارة عن مادة للضيافة»، تقدّم مع مواد مخدرّة آخرى.