ضحى شمسمنذ إعلان السيد حسن نصر الله مؤتمره الصحافي الذي عقده أول من أمس، تملّكتني رغبة في حضوره شخصياً، لا عبر شاشة تلفزيوني في المنزل. ومع أني كدت أجزم بأنه سيتواصل مع الصحافيين عبر الشاشة، كما يحصل منذ 12 تموز 2006 لدواع أمنية غير خافية على أحد، إلا أنني وجدت نفسي أُسرع في إنجاز مهمّاتي وأخفّ إلى قاعة شاهد، مع أنني لم أكن مكلّفة بأيّ مهمة من قبل جريدتي في هذا الموضوع. كنت فقط بحاجة إلى المتابعة، كمواطنة أوّلاً، وكصحافية ثانياً، وفهم أي تفصيل في كلامه. أن أتواصل مع أي إحساس يبثّه. فالأحاسيس هي طبقة ثانية من المعرفة، أو لنقل إنها تصبح معرفة بتراكم طبقاتها، من مشاعر وانطباعات عبر مراقبة شخص أو متابعته لفترة طويلة، وخصوصاً عندما ينتظم ذلك في جوّ عام ومسارات تتخذها الأحداث. وكما تعلمت من عملي، لا شيء يضاهي الميداني. ففيه تشتغل حواسك كلها: ترى وتسمع لا شك في ذلك، لكنك أيضاً تحسّ بذلك «الجو» الإضافي الذي يحقّقه الحضور الجسدي: الناس، الأمن، تعليقات الزملاء، توقعاتهم، من يجلس إلى جانب من، زلات اللسان والسلوك، أشياء صغيرة تميّز التغطية الميدانية. وقد يكون الميداني خياراً شخصياً، كما هو في حالتي، وفي ما عدا ذلك، قد يحتمل تجاوزه في بعض الملفات أو الأحداث. لكن هناك أحداث أخرى لا يمكن أن تُتجاوز في الميداني.
منذ دخولي القاعة، أدركت من الإجراءات الأمنية «المخففة» أن السيد ليس هنا. وما إن رأيت الشاشة داخل القاعة حتى تأكدت. إلا أن ما لفتني في قاعة أخذت تمتلئ شيئاً فشيئاً بالزملاء، المصوّرين خاصة، وبعض السياسيين الذين يدورون في فلك السيد، ذلك الغياب الكبير لوسائل الإعلام الدولية على الرغم من نوع الحدث!
هل أنا مخطئة؟ هل الحدث، أي مؤتمر صحافي للشخص الذي تدور حوله أحداث المنطقة بكاملها، والمتوقع أن يقول كلاماً فيه قد يغيّر مسارات سياسية، غير مهم؟ هل الكلام عن المحكمة الدولية والقرار الظني المتوقع أن يقلب المنطقة رأساً على عقب، انطلاقاً من الداخل اللبناني، ليس بهذه الخطورة التي تستدعي مثلاً وجود مندوب عن... وكالة الصحافة الفرنسية؟
ولمَ غاب هؤلاء؟ هل لأن التواصل سيكون عبر الشاشة؟ وبالتالي سيتمكنون من المتابعة في بيوتهم أو مكاتبهم براحة، وقد يطيّرون خبراً عاجلاً إلى المكاتب المركزية؟ ولكن، ألا يمكنهم تطيير خبر عاجل، يتيحه التطوّر التقني من هواتفهم مثلاً؟ أليس من المفروض أن يكون هناك شخص في المكتب يقوم بتلك الأعمال إضافة إلى المندوب الموجود ميدانياً في مؤتمر صحافي لصاحب الشأن؟ وماذا عن وكالة رويترز؟ لا أسئلة لديها؟ أليس لدى هذه المؤسسات الصحافية أية أسئلة خاصة بها، تستفهم عن إجاباتها مباشرة من نصر الله، في حدث معنية به منطقة بكاملها، للوكالة في كل بلد منها مكتب؟ وهل الرجل متاح إلى هذه الدرجة التي قد يتّكل فيها صحافيون على «أسئلة بعدين» خاصة بهم ربما بالهاتف؟ هل هو تقويم سلبي لأهمية مؤتمر كان اللبنانيون وبلدان أخرى معنية بالموضوع، ينتظرونه، بمزيد من القلق والاهتمام على الأقل؟ أم هو تجاهل مقصود يريد تحجيم الحدث؟
لا أعرف. كل ما أعرفه أن الأمر، من الزاوية المهنية الصرفة، غريب.