ما بين انقطعت.. ورجعت إجت»، ثمة فترة يكيل فيها أصحاب المحال التجارية في البقاع الشتائم للدولة التي «لا يمكنها توفير الكهرباء لمواطنيها». وآخر مآثر انقطاعها حرمانها هؤلاء من فرصة الاسترزاق في موسم البوظة
البقاع ــ رامح حمية
مع ظهيرة كل يوم، يتحلّق الأولاد في بلدة السعيدة حول ان صغير تصدح منه أصوات موسيقية متواصلة. الأولاد يتهافتون عليه من كل حيّ وزاروب في البلدة، من أجل الحصول فقط على «قرن بوظة»، فيه من الألوان والبرودة ما هو كاف لجذبهم ودفعهم كل يوم لانتظار وصوله بفارغ الصبر.
المشهد لم يكن كذلك قبل بدء موسم الصيف. لقد تبدّل ببساطة، وذلك بعدما اتخذ عدد من أصحاب الدكاكين والمحال التجارية في بعض القرى البقاعية قراراً بإفراغ برّاداتهم من جميع أنواع المثلّجات «لأنها ما عادت توفّي معنا، من وقت اللي صار مازوت المولّد شريكنا بالربح وبأكثر من النصف»، كما يقول محمد زعيتر صاحب محل تجاري في بلدة حدث بعلبك. فالمشكلة تكمن في فترة التقنين الكهربائي الذي تتراوح مدته بين 12 و16 ساعة يومياً، والذي فرض على أصحاب المحال التجارية الاستعانة بالمولدات الكهربائية بهدف الحفاظ على البوظة «متلجة وجامدة، لأنو الزبون ما بيشتريها إذا كانت دايبة»، يقول زعيتر. لكن فاتورة المازوت للمولدات أخذت منذ شهر تقريباً ترتفع بنحو لافت، بحيث باتت تمثّل عبئاً كبيراً على أصحاب المحال، وذلك بسبب ازدياد ساعات انقطاع التيار الكهربائي بصورة عشوائية، وأثناء فترات التغذية، الأمر الذي جعل الاستمرار ببيع البوظة عند هؤلاء أمراً مستحيلاً، نظراً إلى عدم توافر الربح من جهة وعدم القدرة على المحافظة على برودة المثلجات من جهة أخرى.
قرار إفراغ البرادات من البوظة وعدم الاتجار بها بدا حاسماً عند حمزة شداد، صاحب محل سمانة في بلدة طاريا، مشدداً على أنه «لا أمل بالعودة عن قراره» لاقتناعه بأن وضع الكهرباء لن يتحسّن وسيبقى من سيّئ إلى أسوأ. شداد أتلف ستة دلاء من البوظة بعدما أدى انقطاع الكهرباء إلى ذوبانها، متسائلاً: «كيف بدّي إربح من البوظة ويومياً بدفع 15 ألف ليرة بدل مازوت للمولّد. واللي زاد الطين بلة إنو صارت تنقطع كمان من نص الليل حتى الساعة 6 الصبح، وبهيدي الفترة لا يمكن تشغيل المولد». ولفت شداد إلى أن عدد المحال التجارية في البقاع، التي تخلّت عن الاتجار بالبوظة، كثيرة، من بينها تعاونيات كبيرة وأخرى صغيرة، فضلاً عن دكاكين القرى الجردية.
ومع تضاؤل نسبة المحال التي ما زالت تغامر ببيع المثلجات على أنواعها، برزت في الفترة الأخيرة زيادة في عدد باعة البوظة المتجوّلين بفاناتهم الصغيرة، التي تقتصر سعتها على «فريزة» بوظة صغيرة «تُدعم» بالجليد حتى تحافظ على البرودة اللازمة خلال جولاتهم.
وبناءً على مقولة مصائب قوم عند قوم فوائد، يلاحظ الشاب أحمد سرور، ابن بلدة بريتال، أن غلّته اليومية من بيع البوظة في «الفان الجوال» ارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً، حيث باتت تصل إلى 200 ألف ليرة، بعدما كانت لا تتخطى 120 ألفاً». سرور الذي فضّل بيع البوظة بالفان «أحسن ما يقعد الصيفية بالبيت»، رأى أن تقلّص عدد المحال التجارية التي تبيع المثلجات، سمحت له «بتوسيع دائرة نشاطه»، حتى أصبح يشمل قرى السعيدة وطاريا وشمسطار والخضر وحورتعلا وبريتال، مشيراً إلى أن ربحه يعود إلى كونه يصنّع البوظة بنفسه في محل الحلويات الذي يملكه وعائلته في بعلبك، حيث تقتصر كلفة الكيلوغرام على 2000 ليرة على الأكثر، كما يؤكد، فيما أصحاب المحال يشترونها من السوق بسعر لا يقل عن ستة آلاف ليرة، «وبالتأكيد تجارتهم رح تطلع راس براس أو بخسارة»، يقول سرور مسروراً.
أما عن الكلفة اليومية، فيشير إلى أنها تصل إلى حدّ 100 ألف ليرة بين بوظة وبنزين للفان، فيما غلّته قد تزيد على 200 ألف ليرة، وخصوصاً نهاية الأسبوع. وأكد سرور أن القرى التي يبيع فيها أكثر من باقي البلدات في البقاع هي بريتال، «لأنها قرية كبيرة متلها متل بعلبك، وكمان فيها ناس ما بيقدروا يطلعوا من الضيعة!».
إلا أن الجدير ذكره هو أن العديد من الأهالي يرفضون رفضاً قاطعاً استهلاك أبنائهم لبوظة الفانات الجوالة، ليقينهم بأنها تفتقر إلى معايير الصحة والسلامة، وخاصة أن الحليب والمواد التي تُستخدم غير معروفة المصدر بالنسبة إليهم، إضافة إلى التجوال المستمر تحت الشمس في سيارات غير مجهّزة للمحافظة على البوظة التي يجب ألّا تذوب، ولو مرة، لكي تكون صالحة للاستهلاك، وخير دليل على ذلك، بحسب عدد كبير من الأهالي، «خلوّ البوظة من أي نكهة أو طعم لذيذ».