حين تصل درجة الحرارة في البقاع إلى 46 درجة مئوية، فهي بالتأكيد ستخلّف وراءها خسائر زراعية في قطاع يعتاش منه الكثير من المزارعين الصغار في المنطقة. أصحاب دوالي العنب كانوا الضحية الأولى خلال هذا الموسم
البقاع ــ رامح حمية
يمر بعض مزارعي العنب في البقاع بمرحلة صعبة جداً، بعد تلف مواسمهم نتيجة التغيرات المناخية القاسية، وآخرها موجة الحر الشديدة التي ضربت لبنان، والتي لم تمرّ على دواليهم بسلام، إذ فتكت بثمار الكروم، مخلّفة وراءها خسائر فادحة عند المزارعين الصغار الذين ينتظرون الموسم بفارغ الصبر، بقصد بيع «شرحاتهم» الصغيرة للمحال التجارية القريبة من قراهم. فقد تركت «الشلهوبة» بصماتها القاتلة على عناقيد العنب في معظم الكروم البقاعية، وعلى اختلاف أنواع عنبها من «البيتموني» إلى العنب الأسود الخاص بإنتاج النبيذ، الذي نشطت زراعته أخيراً في المنطقة. يؤكّد المهندس الزراعي علي الموسوي أن موجة الحر التي ضربت لبنان تعتبر المسؤول الأساسي عن الضرر الذي لحق بدوالي العنب البقاعية، وخاصة «البيتموني»، فيما اقتصر الضرر في «العبيدي» على بعض الحبات في العنقود، مشيراً إلى أن دوالي التربية الأرضية التي لا يزال عدد من المزارعين البقاعيين يحافظون عليها، قد «تضررت تضرّراً لافتاً بسبب قربها من سطح الأرض، حيث تتعرض العناقيد لحرارة الأرض العطشى والجو المحموم معاً»، موضحاً «أن العنب يتضرر فيما لو تجاوزت درجة الحرارة 42 درجة مئوية»، وهو ما حصل فعلاً خلال الأسبوع المنصرم، حيث أدت موجة الحر إلى إصابة عناقيد العنب بمرض «الشلهوبة». ولفت الموسوي إلى الأسباب التي ساعدت في ضرب الموسم، بدءاً من أن معظم الكروم البقاعية «بعلية غير مروية»، الأمر الذي سمح للحرارة المرتفعة بالفتك كثيراً بموسم لم ينل حصته أصلاً من مياه الأمطار التي لم تتساقط خلال شهري آذار ونيسان. ومن الأسباب أيضاً، بحسب الموسوي، أن عدداً من الكروم تضررت أكثر من غيرها بالنظر إلى إقدام أصحابها على توريقها في فترة مربعانية الصيف، أو على رشها بالأدوية، «وهو الأمر الذي لا يجوز نهائياً». من جهة أخرى، كشف الموسوي عن أن الأضرار لم يُكشف عنها كاملةً في البقاع، وأن المهندسين الزراعيين في مؤسسة جهاد البناء يكشفون حالياً على سائر الكروم.
من جهتهم، اعتبر المزارعون أن الموسم الذي يقدمون على بيع عناقيده للمحال التجارية و«الحسبة»، قد انتهى بالفعل، وخاصة أن موجة الحر فتكت بمعظم العناقيد. أمام مشهد الخسارة، لم يتمكّن المزارع أسعد سلمان إلا أن يتحسّر على رزق تعب طوال الموسم في «خدمته»، سواء بالحراثة أو التشحيل والتوريق، ناهيك عن الأدوية التي يحتاجها كل عام. سلمان، الذي كان يمنّي النفس برزق وافر هذا الموسم يبيعه للمحال التجارية، نظراً إلى أن الدوالي التي كانت متخمة بالعناقيد في دونماته الخمسة، أيقن الآن «أن الموسم خلص راح.. فقد أصابته الشلهوبة والجلبيط بعد موجة الحر مباشرة، حتى نكاد لا نجد عنقود عنب واحداً غير متضرر».
وليس بعيداً عن قصرنبا، رأى محمد حمية في بلدة طاريا أن «موجة الحر لم يكن بالإمكان توقعها ولا حتى في المربعانية»، لكن تبدلات الحرارة لهذا العام بلغت حدودها القصوى، وكان ينبغي على وزارة الزراعة نشر الإرشادات اللازمة التي يجب على المزارعين الصغار اتّباعها، موضحاً أن أغلبهم يفتقدون سبل الوقاية والمكافحة، على عكس كبار المصلحة الذين «لديهم القدرة على توظيف مهندسين زراعيين لديهم، يرشدونهم، أما نحن فلا!».
ويؤكد المزارع علي شريف، الذي أقدم على زراعة عشرة دونمات بالعنب الأسود الخاص بالنبيذ، أن «الشلهوبة» طالت رزقه لهذا العام، وأن المبلغ الذي كان ينتظره من الموسم قد «طار»، وأن «اللي بيعوض ربك» كما يقول. فهو مقتنع بأن الدولة لن تحرك ساكناً كما هي العادة، «وقت اللي بتعوضلنا عن خسائر التفاح بيكون صار في أمل ع العنب».
وإذا كانت موجة الحر قد فتكت بالكروم على أنواعها، فهي لم توفر أيضاً عناقيد الدوالي التي تظلّل المصطبات أمام المنازل، فقد لفت محمد يونس إلى أن الدالية التي لم تحرمهم على مر السنوات الماضية من العنب، تمكن الطقس بتطرفه من القضاء على كل عناقيدها، ليحرم أسرته هذا الموسم من «أكلة عنب خلال شهر رمضان»، ولتحصر الإفادة من العريشة ببعض حصرم تحمله.
وعليه، وحتى تتكشف النتائج الأخيرة لموجة الحر على دوالي الكروم البقاعية وبقية المزروعات، يبقى على وزارة الزراعة أن تبدي اهتماماً أكبر بهذا القطاع الحيوي، وأن تلتفت قليلاً نحو المزارعين، على الأقل لناحية مدّهم بالإرشادات والتوجيهات اللازمة ليواجهوا مخاطر التغير المناخي وآثاره السلبية التي يبدو أنه سيكون لها تأثير كبير على المزروعات بأكملها.