ضحى شمسيبدو أنّ بعض العادات السيئة التي اكتسبها قسم من اللبنانيّين و«الأشقاء» السوريّين، من مرحلة «الشعب الواحد في دولتين»، تحاول العودة عن طريق خط بيروت دمشق. لا نعني بذلك زيّاح الوفود الرسمية وغير الرسمية على هذا الخط منذ فترة، بل بكل بساطة، ما نقله مواطنون لبنانيون، وبعض اللبنانيات من أصل سوري، اللواتي أصبحن بالزواج مواطنات لبنانيات، عن إجبارهم على دفع ضريبة «خروج» من الأراضي السورية، أسوةً بالمواطنين السوريّين، بذريعة أنهم من... مواليد سوريا. لا بل إنّ بعضهم أُجبر على الدفع «لتشابه أسماء» بين قرى لبنانية وسورية، شاء سوء حظ المواطن اللبناني أن يكون رأسه قد «سقط» فيها، ما مثّل مبرراً كافياً لتدفيعه تلك الرسوم في رأي الأمن العام السوري عند نقطة المصنع الحدودية!
الشكوى التي نشرنا عنها تحقيقاً أمس، والتي لم يجرؤ أصحابها ـــــ بالطبع ـــــ على إعلان أسمائهم خوفاً من تدابير انتقامية من جانب «المسترزقين» على ما يبدو، أعادت بقوة الذكريات السيئة التي تلخّصها نكتة «الحاجز السويسري اللي أخذ ساعتي السورية»، التي رواها أحد الظرفاء مرةً عن مغامرته مع أحد الحواجز السورية، التي كانت منتشرة في لبنان قبل الانسحاب عام 2005، وخصوصاً أنّ الظروف في هذين اليومين مناسبة لمثل هذه الأحاديث، في ظل عودة قاموس مفردات تلك الفترة للتداول، من دون أن يُعرف إن كان له المضمون ذاته الذي كان في الماضي. فمضمون الشكوى السّريالي يشبه تماماً سلوك تلك الحواجز القديم. واللبنانيون الذين عرفوه جيداً خلال الحرب الأهلية، يتعرّفون إليه فوراً، رغم الشك المهني المشروع. فتواتر الشكاوى من أكثر من مواطن ومواطنة، ورواياتهم المتشابهة لما حصل معهم، رغم أنهم أغراب بعضهم عن بعض، وفي أيام متفرقة، وغياب الجواب السريع من القنصل السوري، الذي ما زلنا ننتظر أجوبته عن أسئلة أرسلناها إليه منذ عشرة أيام، كلّ ذلك يعزّز صدقيّة الشكوى من تقاضي هذا «الرسم»، الأشبه من حيث عدم أحقيّته «بخوّة» يحاول فرضها من يظن أنه بمنأى عن المحاسبة، لأنه يتسلّط على صغار القوم، أي المواطنين العاديين، الذين لا ظهر لهم، وهذه عادة سيئة أخرى من تلك الأيام.
حاولنا التدقيق في الشكوى، كما سبق أن أشرت، فاتصلنا بالقنصل السوري علي عنجريني، فردّ مدقّقاً... بأسماء المشتكين! هذه أيضاً عادة سيئة. أخبرناه أننا بحاجة إلى أجوبة من نوع آخر عن سؤال افترضناه سهلاً: هل هناك قانون سوري يفرض على اللبنانيين أن يدفعوا ضريبة سورية لدى خروجهم من حدودها إن كانوا مولودين في أراضيها؟ توقّعنا أننا سنُجاب بسرعة بالنفي، أو قد تكون لدى المسؤول معلومات لا ندري بها بعد، من نوع قوانين جديدة أو ما شابه. أو على الأقل أن يغيب يومين ليعود بجواب شافٍ، بأيّ تفسير، لكنه لم يجبنا حتى تاريخ كتابة هذه السطور. وحين اتصلنا بمكتبه أكثر من مرّة لاستيضاحه أسباب التأخير، قيل لنا إنه، مثلنا، ينتظر الجواب من دمشق. أمّا ما الذي سيحثّ الشباب في دمشق على الإجابة بطريقة أسرع على شكوى مواطنين لبنانيين، فيما هم، أي المسؤولون في الشام، مشغولون بمحادثات مع نظرائهم اللبنانيين، تتناول ما هو أهمّ بكثير، كالأُخوّة والتعاون والتنسيق؟ فلا أحد يعرف. سؤال آخر: إلى من سيلجأ المشتكون إن استمر تدفيعهم تلك الرسوم غير المستحقّة؟ إلى وزير الخارجية اللبناني؟ إلى وزير الداخلية؟ كلّ هذا علمه عند الله. لكن من الصعب مقاومة التفكير في كم كان مناسباً أن يردّ القنصل على أسئلتنا ولو من باب إظهار حسن النية، في وقت يزور فيه دمشق رئيس وزراء لبنان، على رأس وفد ضخم من 13 وزيراً، بينهم وزراء النقل والخارجية والداخلية، والثلاثة قد يكونون معنيّين بالمشكلة. لكن عدم استثمار فرصة من هذا النوع للقول إنّ أشياء كثيرة تغيّرت بين البلدين، وإنّ هذا التغيير ليس شكلياً، هو عادة سيئة بدوره. أمّا الأسوأ؟ فعدم الحصول على أيّ إجابة، واستمرار الوضع على ما هو عليه. وهو أمر يذكّر بالماضي السيّئ بين البلدين بقوة.
بالطائرة، ذهب سعد الحريري إلى العاصمة السورية على رأس وفد وزاري كبير. شهد دولته توقيع 17 اتفاقية ومذكّرة تفاهم، الأرجح أن «الضريبة» السورية على مسقط رأس بعض اللبنانيين لا تتضمّنها. وبما أنه ذهب بالطائرة، فقد يكون عاد بالطائرة أيضاً، محلّقاً فوق مشكلة سريالية، لا يتوقف جوهرها عند التشابه في الأسماء بين طبيعتها ومصدرها، ومرشّحة للتفاقم في ظل «تطنيش» رسمي وسيادة «ما هو أهمّ» على العلاقات بين البلدين.