إثر تقديم بعض أبناء بلدة بقعتوتة عريضة إلى وزارتي البيئة والداخلية يشتكون فيها من مرملة رئيس البلدية، تقدم هذا الأخير بشكوى قدح وذم إلى النيابة العامة ضد ..مجهول، مرفقاً شكواه بعريضة الأهالي، بالتزامن مع صدور تقرير من وزارة البيئة مفاده أن الوزارة لم توافق على استثمار أي محفار في البلدة
ريتا بولس شهوان
تتحوّل الضيع اللبنانية البعيدة عن الساحل، وعن العاصمة بالطبع، إلى جزرٍ نائية، لا تزورها الدولة حتى لقمع مخالفة بحجم مرملة أكلت الأخضر واليابس منذ عشر سنوات ولوّثت المياه الجوفية، ما يشجع الخارجين عن القانون على استباحة ما يبيحه لهم الإهمال، ويشعر المواطن بصعوبة استعادة أبسط حقوقه حين يفقدها، وما أسهل ذلك. ومن أبسط حقوق بقعتوتة، الواقعة في قضاء كسروان، حماية الدولة لبيئتها. فهل ستطبّق وزارة الداخلية والبلديات القرار الصادر عن وزارة البيئة في الرابع عشر من الشهر الجاري بإقفال المرملة غير المرخصة، بعد أن تقدّم عدد من أبناء الضيعة بعريضة من أجل ذلك إلى الوزارات المعنية؟
فقد أصدرت وزارة البيئة قرارها استناداً إلى تقرير حصلت «الأخبار» على نسخة منه، وذلك بعد زيارة مهندس منتدب من الوزارة إلى بقعتوتة، ليؤكد ما ورد ضمن تحقيق «بلدية بقعتوتة في عهدة رئيس مرملها» («الأخبار» العدد 1150) من مخالفات تتمثل في التشويه الحاصل لطبيعة المنطقة نتيجة الاستثمار العشوائي، الذي هو فوق ذلك غير مرخص، لمحافير المرملة. يضاف إلى ذلك تسرّب الزيوت والشحوم من كاراج لصيانة آليات تخصّ الشركة التي يملكها رئيس البلدية ريمون الحاج إلى نبع صنين المجاور، ومياهه الجوفية، لا بل إن التلوث استشرى ممتداً إلى الينابيع المجاورة التي ترتوي منها كل الضيعة وتروي منها بساتينها، وخاصة في موسم التفاح الذي تعتمد عليه. هكذا عانى الأهالي من الظمأ منذ بداية السنة الجارية، حيث كان عليهم شراء المياه نظراً إلى استمرار التلوث في بعض الينابيع من جهة، وذهاب معظم المياه الباقية إلى المرملة. هذا إضافة «إلى الرمي العشوائي للردميات التي تحتوي على نفايات ضمن عقار المحفار» كما جاء في التقرير. مخالفات بالجملة لا تتوقف عند ما هو منظور من الخسائر. فبعض أبناء البلدة، بسبب الغبار الكثيف الناتج من حركة الشاحنات، تركوها ولم يعودوا يقصدونها إلا نادراً. وعلى هذا المنوال، أكثر من أربعين شخصاً وقّعوا عريضة الشكوى المقدمة إلى وزارة البيئة. ومن الموقّعين عدد من أصحاب المطاعم في بسكنتا، الذين خسروا أسماك الترويت في مزارع أحواضهم، بعد تسمّمها بسبب تلوّث مياه الينابيع التي يستخدمونها. لكن إذا كان عمر المرملة 10 سنوات، فلمَ تقدم الأهالي بالشكوى الآن؟ وهل كان بعضهم مستفيداً ثم لم يعد كذلك؟ وما هو دور الانتخابات البلدية الأخيرة في تأجيج الخلافات؟ الإجابات غير واضحة. لكن، على أثر الشكوى المقدمة، بعد زيارة قام بها جوزف الحج ممثلاً أبناء البلدة، إلى الوزير، أرسل وزير البيئة محمد رحال مهندساً كشف على المخالفات، لتصدر وزارة البيئة تقريراً تؤكد فيه أن الوزارة لم توافق على استثمار أي محفار رمل في بقعتوتة، مع العلم بأن رئيس البلدية كان لديه ترخيص «مغسل رمل»، أي لغسل رمل البحر، ولم يكن لديه أبداً أيّ رخصة لمرملة. و«انطلاقاً من مبدأ التعاون الذي نصّت عليه المادة الرابعة من قانون حماية البيئة والقاضي بتعاون السلطات العامة والمحلية والمواطنين على حماية البيئة على كل المستويات»، «ترك أمر تنفيذ القرار لوزارة الداخلية، وتوقيف الأعمال والنشاطات الأخرى ضمن محافير الرمل الواقعة ضمن نطاق بلدة بقعتوتة قضاء كسروان، الحاصل على رخصة مغسل رمل، لانتهاء مدة الترخيص في تاريخ 30/5/2010». لكنّ وزارة الداخلية لم تتحرك للتنفيذ. وقد حاولت «الأخبار» الاتصال بمكتب وزير الداخلية زياد بارود، إلا أنه لم يكن على السمع. وتفيد المعلومات المستقاة من مصادر رسمية في مخفر فاريا بأن تقرير وزارة البيئة لم يصل إليهم بعد، وبالتالي يستمر العمل في المحفار «طبيعياً». وكان قد تقدم صاحب شركة «حاج كونتراكتشر» بشكوى قدح وذم وتشهير إلى النيابة العامة، وعلى أساسها استدعى مخفر فاريا الموقعين (40 مواطناً) على العريضة والشكوى المقدمة إلى وزارة البيئة والداخلية. فهل يتخلّص أبناء البلدة من كابوسهم، أم يتأخر تقرير وزارة البيئة أكثر في الوصول إلى من يجب أن ينفذوه؟ الأيام المقبلة ستجيب.