تطل من النافذة كوردة تفتّحت وريقاتها عندما كان شهر شباط قد جفّ حلقه. تلمح الشمس عند الزاوية البعيدة من مشهد يومي، ترتّب أشعتها بحنان كمن يمشّط شعر مراهقة، تتنشّق دفأها، مرةً واثنتين وثلاثاً، تتأكّد أنّ تعابير وجهها لا تزال كما كانت البارحة، ولن يسبقك أحد للكتابة عن تغيّر في حالتها مهما كان بسيطاً.
ترمق بنظرة عطف الأزهار في الحوض الكائن عند شرفة مقابلة، تسأل عن عطشها، وهل نسيت خادمة البيت المجاور أن تطعم العصفور الأبكم في القفص الملوّن. تنتظر إجابة، وتتلهّى بالنظر إلى السماء ربما ترك الليل خلفه على غفلة نجمة تائهة لتقطفها. تحت الأريكة الخشبية الطويلة وفوق أربعة مقاعد بيضاء، تفتّش عن فتات رغبة سالت من ثنايا ثياب مثيرة في آخر مرّة جلست فيها الجارة منتظرة حبيبها.
تتملّكك هستيريا وعينان تبحثان عن طريدة غافلة
بين أوراق صحيفة تبحث عن مقال أجمل ما فيه اسمك. تتملّكك هستيريا وعينان تبحثان عن طريدة غافلة، قد تحوّلها إلى بطل في رواية، أو دمعة ملوّنة في مقلة قصيدة حزينة. غريق في بحر من الأشخاص المتدافعين، تستغيث بأبطال محتملين يعبرون صفحات رواية لم تُكتب. تتعلّق بأهداب مغيب أتى باكراً.
ستعبر الطريق إلى بيتك ألف مرّة، تراقب قدميك على الرصيف بملل المطر المتساقط ألف مرة، وتتلو كلمات صلاة، كمن يفرط سبحة على طاولة ليسمع رنين حريتها. تنادي الله، تقارعه، تذكّره بوجودك وتسكب عليه إيماناً تعيره إياه في لحظات الخطر. تسأله عن ملائكة هائمة في أصقاع الأرض الرحيبة، لماذا عندما كبر هو، ومن دون وداع هجروا كتفيه.
تقبّل غريبة، تقارن شعورك بطعم القبلة الأولى. تتحسّس برودة جدار في غرفة مكتبك الضيق، وتنتظر انطفاء شعلة لفافة بين أصابعك فقط لتكتب عن الوجع، الوحدة، وبعض من الغباوة.
من مدوّنة «جراح في الذاكرة»
http://pascalassaf.blogspot.com/2010/06/blog-post_26.html