سوريات متزوجات من لبنانيين حائرات، بما يُفرض عليهن عند الحدود السورية، أثناء عودتهن إلى ديارهن، إما «قطع قسيمة خروج وإن كُن يحملن هويات لبنانية»، وإما تخليهن عن جنسيتهن السورية، ولبنانيون ذنبهم أنهم يزورون مسقط رأسهم سوريا، أو أنهم ولدوا في مناطق لبنانية أسماؤها مشابهة لمناطق سورية، فكانت حيرة شكواهم، ليفتشوا عن المسؤول المباشر الذي يراجعونه دون التعرض للسؤال والاستجواب
البقاع ــ اسامة القادري
لم يجد بعض عابري الحدود السورية نحو لبنان مناصاً من رفع شكواهم على مضض، دون ذكر أسمائهم كاملة خوفاً من حساب وعقاب، «اعتراضاً على طريقة تعاطي عناصر الأمن العام السوري ومنعهم من مغادرة سوريا إلا بموجب قسيمة خروج تفرض في الأصل على المواطن السوري الذي يحمل الهوية السورية، أثناء خروجه من داخل القطر السوري إلى أي بلد آخر، أما إذا كانت الوجهة لبنان، فيوجب عليه قطع قسيمة ثمنها 550 ليرة سورية ما يعادل 12 دولاراً أميركياً».
د.ق. لبنانية آتية من سوريا، ترفع بيدها هويتها اللبنانية، والقسيمة السورية، لتؤكد أن موظفي الأمن العام السوري، لن يسمحوا لها بمغادرة الأراضي السورية إلا بعد اقتطاع قسيمة خروج، مثلها في ذلك مثل المواطن السوري. تضيف: «شو ذنبي إني مولودة بسوريا، وعم زور مسقط رأسي، لو بعرف هيك لا بروح ولا بيجي».
أما ح. أ.، وهي سورية الأصل وتحمل الجنسية اللبنانية بالزواج، والتي كانت عائدة من زيارة ذويها في دمشق، فمشكلتها أن موظف الأمن العام الذي توجهت إليه للشكوى من تدفيعها القسيمة تلك، خيّرها بين جنسيتها اللبنانية أو السورية! تقول بعتب: «القصة ما بتنحمل، القانون السوري ما بيحرم المواطن السوري جنسيته بحال نال جنسية ثانية»، مضيفة «قال لي أنت سورية وبتحملي الهوية اللبنانية حتى نعفيك من القسيمة بدك توقعي على إقرار أنك تتنازلين عن جنسيتك السورية، أو أنك توقعين على ورقة تؤكد أنك لا تحملين الجنسية السورية، وهذا له متطلبات أمنية إذا زرت دمشق مرة أخرى»! تتأفف السيدة مردفة «نزل علي كلامه كالصاعقة: كيف أتنازل عن جنسيتي، الواحدة منا إذا صار معها شي بينها وبين زوجها، وين بتروح»؟ وتلفت السيدة نفسها إلى أنها عانت سابقاً من هذا «المستجد»، ولفتت إلى أن موظفي الأمن العام السوري، بعد حادثة اغتيال الرئيس الحريري «كانوا يخيرونني بين الدفع للعنصر 200 ليرة سورية، مقابل وسمه تأشيرة خروجي من الأراضي السورية، على أنني لبنانية، وإما أن أشتري القسيمة من إحدى «الكوشكات» في حرم الأمن العام بـ550 ليرة ليتم وسمها» والسماح لها بالخروج على أنها سورية. وتختم بتعجب «شو هالقانون اللي بيمشي بمئتين ليرة، بدفع مئتين بصير لبنانية، ما بدفع بصير سورية». تتابع معاتبة: «هذا التصرف معيب بحق سوريا والمواطن السوري»، وتناشد الرئيس بشار الأسد أن يضع حداً لكل الموظفين الذين يستغلون خوف المواطن السوري من الاعتراض.
س.ع. سورية متأهلة من لبناني منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، وتحمل الهوية اللبنانية منذ اثنتي عشرة سنة، تروي كيف كانت تتعاطى مع عناصر الأمن العام لتتهرب من شراء القسيمة أثناء زيارتها لذويها، «كل أربعة أو خمسة أشهر أزور أهلي في سوريا أنا وأولادي»، تردف مقارنة بين تعاطي عناصر الأمن العام سابقاً وتعاطيهم اليوم: «بالأول كانت هينة، كان ثمن القسيمة 200 ليرة أشتريها مرة كل ثلاث زيارات، وبعدها أدفع للموظف 50 ليرة حتى يسمح لي بالدخول، و50 ليرة عند الخروج»، وتشير إلى أنها منذ أن حصلت على الهوية اللبنانية لم تدفع ثمن القسيمة إلا مرة واحدة بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، أما حالياً فقد ألزمها الموظف بشراء القسيمة «ما عاملة حساب القسيمة اضطررت إلى أن أستدينها من السائق، لأدفعها له في لبنان».
هذه الشكاوى من السوريات المتزوجات من لبنانيين لا تختلف عن شكوى المواطنين اللبنانيين من القضية نفسها.
يشرح أ. ل. أسباب مشكلته، وكيف بقي حوالى ثلاث ساعات في حرم الأمن العام، ينتظر أحد أقربائه، لأن يأتيه من لبنان بثمن القسيمة، يقول «فوجئت بما طلبه مني الموظف. قال لي إن علي أن أقطع قسيمة! أما لماذا؟ فحسب ما يقول لأني مولود في منطقة سورية! لكني مولود في جديدة مرجعيون، وكل ذنبي أنه في بطاقة هويتي مذكور فقط كلمة جديدة دون مرجعيون» ما جعل الضابط

يقطع اللبنانيون المولودون في سوريا عند الحدود قسيمة خروج ثمنها 550 ليرة سورية
يعتبرها جديدة يبوس السورية الحدودية. ويتابع الرجل أنه عندما حاول الاستفسار من الضابط المناوب وشرح له أنه من مواليد منطقة لبنانية وليست سورية، كان الرد «شو بيأكد لنا أنك مو خلقان في سوريا»! لم يقتنع الضابط من المواطن رغم أنه يحمل الهوية اللبنانية، عبثاً محاولات (أحمد) مع الضابط، «حتى إخراج القيد اللي بيأكد أني لبناني أباً عن جد ولست من المجنسين لم ينفع»، ولما تيقن أن محاولاته مع الموظفين تذهب عبثاً اتّصل بأحد أقاربه في لبنان طالباً منه أن يحضر له ثمن القسيمة، كونه صرف كل ما في جيبه في الأسواق السورية، وآخر ما بقي معه من أموال، عبأ بقيمتها خزان سيارته بالبنزين، «لم يكن في حسباني القسيمة لأنني لبناني، ضليت أنتظر ابن خالي حوالى ثلاث ساعات حتى وصّل».
ويقول و.هـ. لبناني من مواليد بلدة شبعا الجنوبية، بعد معاناته مع موظفي الأمن العام، لأن مكان الولادة المدون على الهوية شبعا، وفي سوريا منطقة سورية تحمل الاسم ذاته، إنه متردد في زيارة سوريا مرة أخرى، يقول إنه لم يعف من القسيمة إلا بعد توقيعه على وثيقة قدمها له الضابط، والتي تفيد «بأنني لست سورياً ولا أحمل الجنسية السورية». هذا ما زرع فيه الخوف من أن تكون هذه الوثيقة توجب على الموقع عليها أن يخضع للتحقيق في كل مرة يدخل فيها سوريا. ولدى سؤال «الأخبار» السفارة السورية في لبنان عن هذه الإجراءات، طلب القنصل غسان عنجريني بعض الوقت للإجابة، لكن إلى الآن لم يأت الرد، رغم مرور أكثر من أسبوع.