يستمع اليوم قاضي التحقيق الأول في الجنوب لإفادة طفلة تعرضت للاغتصاب قبل ثمانية عشر يوماً في منطقة صور. لكن الجريمة المرتكبة بحقها لم تنته في حينها، بل استكملها بعض الأطراف ليضاعف حلقة الانتهاك التي يشترك فيها المجتمع والدولة والأهل
صور- آمال خليل
بإيجابية كبيرة، قبلت والدة أمل (الاسم مستعار) طلب مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب، بزيارة منزل العائلة والوقوف على أحوال أفرادها بعد تعرض ابنتها (10 سنوات) للاغتصاب. اللعبة الهدية التي حملتها الاختصاصية النفسية منى مرمل إلى أمل كشفت أنها لا تزال طفلة رغم تعرضها لفض بكارتها ورغم نظرة البعض المستجدة إليها.
فقد ادعى والد الطفلة ليل السابع والعشرين من حزيران الماضي، أن ابنته تعرّضت للاعتداء الجنسي عند الحادية عشرة والنصف من ذلك المساء، مستنداً إلى تقرير الطبيب الشرعي الذي عاينها في أحد مستشفيات صور حيث نُقلت. ذكرت الطفلة لدى استجوابها من القوى الأمنية أن «رجلاً ملثماً طرق باب منزل ذويها في غياب والديها، مدعياً أنه يحمل إليها شيئاً منهما. وما إن فتحت الباب حتى انقض عليها واستدرجها بالقوة إلى حقل زراعي قريب وضربها حتى فقدت وعيها. ولما استعادت الوعي وجدت نفسها منزوعة الثياب في الجزء السفلي من جسدها والدم يسيل منها. فقامت تركض إلى مكان عمل والدها المجاور والمكتظ بالناس وهي تصرخ وتشرح ما حصل معها».
بعد يومين، أعلنت مديرية استخبارات الجيش اللبناني أنها أوقفت س. أ (26 عاماً) بتهمة ارتكاب جريمة الاغتصاب، وأكدت المديرية أن الموقوف أقر بما نسب إليه، مشيرة إلى أنه مطلوب أيضاً لاتهامه بأعمال سرقة.
إلا أن انتهاك الطفلة لم ينته عند الجريمة، بل أعقبه انتهاك آخر تمثل باستجوابها من دون إبلاغ اتحاد حماية الأحداث في لبنان لتحضر إحدى مندوباته جلسة التحقيق كما ينص القانون. لا بل إن الاتحاد علم بأمر الجريمة من وسائل الإعلام، لا من القوى الأمنية التي عليها إبلاغه فوراً. وتشير الوالدة إلى أن ابنتها التي استجوبها الدرك على انفراد «شعرت بالخوف منهم بسبب عدم مراعاتهم أحياناً لصدمتها النفسية من خلال طريقة أسئلتهم».
الانتهاك الثاني يتمثل بما قامت به بعض وسائل الإعلام من دون قصد بأن نشرت هويتها الكاملة، مخالفة بذلك قانون حماية الأحداث.
أما لاحقاً، فلم تتلقّ أمل أي اتصال أو زيارة من مندوبات الاتحاد أو سواه من الهيئات المعنية، باستثناء مندوبي مركز الخيام، كما أكدت الوالدة. علماً بأن هذا النوع من الجرائم، يرتب تبني الاتحاد للحدث الضحية عبر زيارة لأسرتها، وإحالة الضحية ليتابعها معالج نفسي. إلا أن نوع الاستفادة الوحيدة حتى الآن التي ستحصل عليها أمل من الاتحاد ستتمثل بحضور مندوبته جلسة التحقيق اليوم.
إتحاد حماية الأحداث علم بأمر الجريمة من وسائل الإعلام
من هنا، فقد تعاملت الأم بجدية مع نصائح الاختصاصية بشأن أساليب التعاطي الواجب اتباعها والحرص عليها في تعاطيها مع ابنتها وتعاطي باقي الأسرة والمحيط. فالأم لم تكن حتى لقائها بمرمل، قد سألت ابنتها عما حصل معها وهل شاهدت الجاني وهو يغتصبها؟ امتناع الأم مرده إلى أنها تعتقد أنها تساعد ابنتها على تناسي ما جرى. إلا أن أمل تكبت في داخلها ما تعانيه من اضطراب ما بعد الصدمة التي لم تظهر جلية بعد سوى بخوفها المستجد من البقاء أو الخروج وحدها، أو إبقاء الأبواب مفتوحة.
يبدو الوالدان وأطفالهما الأربعة في حاجة إلى دعم نفسي، شاكين «قلاقل الناس عن ابنتها وقسوتهم في التعامل معها لدرجة تأنيبها وإشعارها بأنها مذنبة». إلا أن الأم وابنتها خاصة في حاجة ماسة إلى المؤازرة بسبب الضغوط الاجتماعية التي يشنها كل من حولهما. إذ إن «فداحة» الحدث الجلل الذي أصاب الطفلة، لا سيما لناحية فض بكارتها، يقض مضجع والديها وأقاربها ويمنع الوالد من «النظر في عيون الناس ورفع رأسه عالياً». أكثر ما يتوقف عنده الوالدان هو مستقبل الطفلة التي «قد لا يقبل أحد الزواج بها إذا ما باح له أحد بما تعرضت له». لذا يفكر الوالد بإخضاعها بعد فترة إلى عملية تقطيب للغشاء، كافية بنظره لأن تمحو ما تعرضت لها جسدياً. الخطوة الثانية تتمثل بقرار نقل أمل إلى مدرسة أخرى، قد يعقبه قرار بتغيير محل إقامة الأسرة أيضاً.
في بلدة مجاورة، يرزح الطفل أحمد (الاسم مستعار) تحت ضغوط قد تكون أقل من تلك الممارسة ضد أمل، فقط لأنه ذكر. أحمد تعرض أيضاً قبل حوالى شهر إلى الاعتداء الجنسي من شاب في الثالثة والعشرين من العمر من البلدة ذاتها، بحسب تحقيقات القوى الأمنية. الوقائع تشير إلى أن الطفل تعرض للاعتداء أكثر من مرة حينما كان يرتاد محل الكومبيوتر الذي يملكه المتهم للتسلية. لكنه في المرة الأخيرة، شكا من أوجاعه وأخبر أمه التي اكتشفت الأمر وأبلغت مع والده القوى الأمنية. إلا أن أسرة أحمد أسقطت شكواها بعد تدخل بعض النافذين ومناشدة أسرة المتهم، وتأكيدهم أن سلوكه غير سوي. المتهم لا يزال قيد التوقيف استناداً إلى المادة 509 من قانون العقوبات. إلا أن أحمد لم يحصل على الرعاية الاجتماعية والنفسية اللازمة.
إشارة إلى أن الضحيتين تستفيدان من قانون حماية الأحداث وفقاً للمادة 25 من الباب الثالث.
وعليه، فإن على القاضي بحسب المادة 26 أن يأمر المندوب الاجتماعي باتخاذ إجراءات حمائية ووقائية بحقهما.
من جهة ثانية، يتحدث البعض عن «طلاق بائن» بين الدرك واتحاد الأحداث، فهذه ليست المرة الأولى التي لا يتبلغ فيها اتحاد حماية الأحداث بوقوع الجريمة من القوى الأمنية إثر تلقيها الشكوى كما يقتضي القانون. من بينها حوادث إحراق المنازل والسرقة التي اتهم بها عدد من القاصرين في بلدة جويا، حيث أُلقي القبض عليهم وحُوّلوا إلى النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب من دون إبلاغ مندوبات الاتحاد. الأمر تكرر في حادثة محاولة فتى أن يشنق نفسه بواسطة حبل في بلدة معركة. الأمر الذي يثير تساؤلاً عن آلية التعاطي مع الاتحاد التابع لوزارة العدل والمسؤول عن رعاية الأحداث المرتكبين للجرم أو المتعرضين للخطر بحسب قانون حماية الأحداث الصادر عام 2002. علما بأن الاتحاد ذاته يعاني أزمات داخلية إلى جانب التضييق الذي يمارسه البعض ضده، وفق ما يقول متابعون لعمله. إذ يحصل الاتحاد على مساعدة مالية من وزارة العدل لقاء خدماتها لدى القضاء ومحاكم الأحداث من أجل دفع أجور المساعدات الاجتماعيات وغيرهن من الموظفين الضروريين للقيام بالعمل. إلا أن «قيمة المساعدة لا تغطي مصاريف العاملين، وخصوصاً تكاليف نقل المندوبات بين المخافر والمناطق وبيوت الأحداث»، كما يروي متابعون لأعمال الاتحاد. واللافت أن عدد المساعدات الاجتماعيات في كل لبنان لا يتخطى السبع عشرة.


«النقمة» تقتل عاملاً

الأخبار التي راجت حول جريمة اغتصاب أمل كان لها تأثيرات في بلدة مجاورة لبلدتها.
وبعدما اشتبه بأن عاملاً سورياً هو من اغتصب الفتاة، حمل بعض الشبان على مجموعة من العمال السوريين الذين يقيمون ويعملون في أحد الأحياء، علماً بأن المتهم لا يمتّ بصلة إليهم ويقيم في بلدة أخرى.
النقمة وصلت إلى حد مهاجمتهم بالضرب العنيف، الذي أدى الى وفاة أحدهم متأثراً بجراحه، وجرح آخرين. أما التداعي الذي حصل في بلدة أمل، فقد انحصر بمغادرة جميع العمال السوريين مخافة ردود الفعل.
وإذا ما أنجزت التحقيقات الأولية في فترة وجيزة، فمن المنتظر أن يحاكم المتهمان باغتصاب أمل وأحمد وفق المادة 509 من قانون العقوبات بشأن ارتكاب فعل مناف للحشمة بقاصر، إذ يعاقبان بالأشغال الشاقة المؤقتة التي لا تقلّ عن أربع سنوات.