يعاني الطلاب ممّن يقطنون القرى البعيدة، لا سيما بلدة عيتا الشعب، غياباً تاماً للتوجيه المهني والأكاديمي خلال سنواتهم الأخيرة في المدرسة
زينب صالح
اتفق حسين مع زملائه على استئجار باص و«النزول» إلى بيروت لزيارة جامعاتها والتعرف إلى اختصاصاتها، رغم أنهم لا يعرفون بعد هذه الجامعات التي يودّون زيارتها، كما تشرح عبير، مضيفة «نعرف الجامعتين، الإسلامية والعربية، وطبعاً نسمع عن الجامعة اللبنانية، دون أن نعرف جميع اختصاصاتها. مشكلتنا لا تكمن في كوننا بعيدين عن المدينة فحسب، بل في أننا نعاني غياب التوجيه والإرشاد. فأثناء المرحلة الثانوية، لم يصلنا من بروشيرات الجامعات وإعلاناتها شيء». يؤكّد حسين كلام زميلته، وبنت قريته، عيتا الشعب. أفكار الطلاب مشتتة، يعبّر عنا عاصم قائلاً: «لا أعرف شيئاً عن أقساط الجامعات، ولا عن الاختصاصات المتاحة فيها والأنظمة التي تتبعها، لأنني أعيش في عيتا منذ الصغر ولا أزور المدينة». مشكلة عاصم مشتركة مع زملائه في القرية، الذين لا يعرفون عن الاختصاصات سوى الصيدلة والطب، والهندسة، والإعلام، واختصاصات كلية العلوم. فأغلب الحائزين
في مديرية الإرشاد والتوجيه مرشد واحد لمحافظتين!
شهادات جامعية في البلدة هم من متخرّجي الهندسة في الجامعة الإسلامية أو العربية، نظراً لتدنّي الأقساط في هاتين الجامعتين مقارنة بغيرهما من الجامعات الخاصة، فضلاً عن متخرّجي كليات الآداب والعلوم، من الجامعة اللبنانية. فأهالي القرية يعانون عموماً ظروفاً اقتصادية صعبة، لا تتيح لهم تسجيل أبنائهم في جامعات خاصة غالية الأقساط. وحتى لو وُجدَ من يستطيع الالتحاق بها ليسر الحال، فإن المستوى المتدني للغته الأجنبية التي لم تُتَح له تقويتها في مدارس المنطقة، يحول دون ذلك. «نستهتر عادة باللغات الأجنبية في مدارسنا المحلية. النتيجة: نبحث الآن عن دورات تقوية في اللغة» يقول محمد. ولكن، حتى دورات اللغة تندر في القرى الجنوبية. أما منح الدراسة في البلدة، فتقتصر على الأحزاب، لأنه «لا علم لنا بالجمعيات الخاصة التي تؤمن منحاً دراسية، ولا نعرف من هي ولا كيفية التواصل معها» يضيف محمد. ماذا عن دور مديرية الإرشاد والتوجيه في حل معاناة الطلاب؟ يقول الأستاذ في مديرية الإرشاد والتوجيه، عبد الرحمن مكي «التوجيه المهني يتضمّن مساعدة الطالب على اختيار الاختصاص الذي يناسبه. يبدأ عملنا في البريفيه والمرحلة الثانوية ونعطي الطلاب حصصاً نشرح لهم فيها الاختصاصات، ونجري اختبارات الشخصية لمعرفة ميول الطالب، لكن المشكلة الكبيرة التي تواجهنا، هي أن الدولة لا تخصّص لنا حصصاً في المناهج، لذلك، نضطر إلى أخذ الحصص على حساب مواد أخرى، ما يعيق عملنا بسبب رفض المدير والأساتذة في بعض الأحيان السماح لنا بذلك».
يرى مكي أن الطلاب بحاجة ماسة إلى إرشادهم، والإجابة عن أسئلتهم الكثيرة، وخاصة طلاب القرى النائية، على الأقل هذا ما يلمسه خلال لقائه بهم «عندما أنهي كلامي في الصف يتبعونني إلى الخارج لطرح المزيد من الأسئلة، ويستكملون استيضاحاتهم عبر الاتصال بي هاتفياً في ما بعد». لماذا لم يحصل طلاب عيتا على الإرشاد إذاً؟ يجيب مكي «للأسف، أنا الأستاذ الوحيد في محافظة الجنوب والنبطية، ولا أستطيع زيارة كل الثانويات والمدارس».