هل سنصل إلى يوم ننسى أسماء سهى بشارة ومحمد عساف وأنور ياسين ورجائي بوهمين وسمير القنطار وغيرهم من مئات الأسرى في السجون الإسرائيلية؟ لا يبدو ذلك مستحيلاً حين يتحول المكان الذي كان المعتقل الأول في لبنان أي سجن أنصار إلى... مطعم. لهذا وغيره بادر بعض الأسرى المحررين لتكوين جمعية «أسير»
سوزان هاشم
الغضب. هو الشعور الطاغي على قلب الأسير المحرر من السجون الإسرائيلية علي فاعور كلما مرّ بالقرب مما كان يوماً «معتقل أنصار» أو «كليّة المعتقلين»، وتحوّل اليوم متنزهاً ومطعماً!
لم تشفع للمعتقل السابق جدرانه التي خطّ عليها المعتقلون السياسيون فيه يومياتهم التي تشهد على وحشية الاحتلال الإسرائيلي إبان الاجتياح في الثمانينيات، فطمست معالمها تماماً مع كل ما تختزن من رموز القهر والتعذيب حينذاك. يستغرب فاعور، الذي يتناوب الأسى والغضب في قلبه لدى تفكيره، كيف «طُعن بنضالاتنا وشعورنا الوطني»، كيف أن هذا المكان «لم يُحوَّل إلى مزار يروي ذكريات الاعتقال والمقاومة ضد العدو»، مضيفاً «حتى أن أسماء الأسرى مكتومة لدى السلطات اللبنانية».
الغضب والأسى طالا أيضاً الأسيرة السابقة كفاح عفيفي التي تقول لـ«الأخبار» إنه «صحيح أن سجن الخيام لم يتحوّل إلى مطعم، بيد أن التعديلات التي طرأت على مبنى السجن بعيد التحرير، لا سيمّا طلاء الجدران التي كانت تحمل كتابات المعتقلين، وبعض الترميمات الأخرى، كانت كفيلة بمحو يوميات الأسر والتعذيب فيه»، كما تأسف أنه «أزيلت ساعة الزنزانة حيث كنت أقبع، وهي عبارة عن نافذة صغيرة ترصد الوقت للمعتقلين من خلال موضع النور المرسل إلى جدرانها، زد على ذلك إزالة الكثير من العبارات التي كنا نخطّها بما توافر لدينا من أدوات على الجدران والتي كانت تثير غضب السجانين، الذين كانوا يستدعوننا لتحقيق لا يخلو من التعذيب لمعرفة كيف تمكنّا من الحصول على الأدوات». الإمعان باغتيال ذاكرة الاعتقال من جهة وإغفال اللجان والجمعيات التي تعنى بقضية الأسرى، الاهتمام بهذا الشأن بالتحديد، حسب كفاح وزملائها السابقين في الأسر: رجائي بو همين، محمد رمضان، سامر حجازي، زياد غنوي، وليد فتوني، نازك إسماعيل، أحمد سلمان ومحمد دكار، دفعت هؤلاء إلى تأسيس جمعية أسير، «التي سيعلن عنها ابتداءً من اليوم عبر لوحات إعلانية تحمل بمعظمها رسومات للشهيد الرسام فرج الله فوعاني»، حسب عفيفي رئيسة الجمعية، التي تشرح أنهم سيعملون «على توثيق ذاكرة الاعتقال من خلال الوصول إلى جميع الأسرى السابقين في السجون الإسرائيلية، لجمع ذكرياتهم في نوع من أرشيف الأسر، ثم نشرها على موقع إلكتروني تابع للجمعية، «وسنباشر في رفع دعاوى على إسرائيل جرّاء ما تعرض له الأسرى من تعذيب».
ولعل التركيز على ذاكرة المعتقل يأتي «بعد محاولات طمس تاريخ نضال جهة معينة قدمت كما غيرها الكثير من التضحيات لتحرير الأرض»، حسب الأسير السابق رجائي بو همين، الذي يبرر نقمته على ما آلت اليه الأمور في معتقل الخيام حيث كان أسير تعذيب سجّانيه لثماني سنوات، مردفاً: «كنت أتمنى لو يرى ابني زياد اسمي الذي حفرته على جدران السجن، والذي بسببه تعرضت إلى أفظع أنواع التعذيب، بيد أن عبثية الاهتمام بالسجن محت هذه الذكريات، لتحل محلها شعارات تعبوية للجهات الواضعة يدها عليه، أو عبث بعض الزوار»، مقترحاً أن يُحوَّل هذا السجن، الذي ضربته إسرائيل ودمرت جزءاً كبيراً منه في عدوان تموز إلى مزار تابع لوزارة السياحة بحيث يُوظَّف أسرى محررون فيه، كونهم الأجدر بالتعريف عن زوايا التعذيب فيه، ومن أجل التخفيف من نسبة البطالة في صفوفهم».
فالمعتقلون لا يزالون أسرى الإهمال «حتى من ذوي القربى»، يقول الأسير المحرر د. خالد فوعاني، غامزاً من قناة الأحزاب ولجان الأسرى التي تخلت برأيه عن قضية أسراها، «وخصوصاً أن مصير الكثير من رفات الأسرى الشهداء لا يزال يكتنفه الغموض»، ومن بينهم فرج الله، شقيقه. فوعاني الناشط في جمعية أسير يستغرب التقصير الفادح من اللجان التي «تدعي مناصرتها لقضية الأسرى، إذ إنها تحولت إلى مجرد شركة تتاجر بالقضية على حساب الأسرى». من هنا يستغرب الأسير سامر حجازي كيف أمّنت إحدى الجمعيات المعنية بهذا الشأن مبالغ مالية من منظمات أوروبية بحجة تأهيلنا نفسياً، علماً بأن هناك أولويات في قضية الأسير كتأمين فرص عمل ورعايته صحياً»، مذكراً بأنه لولا المبادرات الفردية من الأسرى وتحركاتهم لما كانت الدولة قد أفرجت حتى عن التعويضات. كما أن «التغطية الصحية للأسير مزاجية، أي رهن بما يرصد من الموازنة بهذا الشأن لمجلس الجنوب»، يقول الأسير محمد رمضان العضو المؤسس في الجمعية، الذي لا يغالي بأمله في تحقيق جمعيته «إنجازات عظيمة في هذا الشأن، بيد أن ما سنركز عليه هو الحفاظ على ذاكرة الاعتقال، ورعاية الأسير، ورفع دعاوى على إسرائيل»، خلافاً للجمعيات السابقة.
من جهته، رحّب رئيس لجنة متابعة ودعم المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية محمد صفا، في اتصال مع «الأخبار» بأي جهود تهدف لاحتضان قضية الأسرى بغض النظر عن الجهة التي تنتمي إليها، معلّقاً: «الله يزيد الخير»، نافياً أن تكون «جمعية أسير» أو غيرها نقيضاً للجنته. وفي رده على بعض الانتقادات قال: «قمنا بواجباتنا وأكثر تجاه هذه القضية، وما يستتبع ذلك من مطالبات في هذا الشأن، ومهما يكن فلجنة المتابعة ليست الدولة، التي تعتبر وحدها المقصرة بموضوع الأسرى، كما أننا لا ننتظر مناسبة للعمل من أجل الأسرى، فعملنا يومي لدعمهم في جميع الميادين».
مهما يكن، تبقى غصة الأسرى كبيرة في يوم «الأسير». وهو يوم ظنوا أنه لكل اللبنانيين فإذ بهم يحتفون به وحدهم.


في التاريخ...

يعود الاحتفاء بذكرى يوم الأسير اللبناني، إلى تاريخ افتتاح العدو الإسرائيلي معتقل أنصار في 14 تموز 1982. واعتبر معتقل أنصار آنذاك من أكبر المعتقلات التي أنشأتها قوات الاحتلال إبان اجتياحها لبنان، وأكثر من ذلك كان من أكبر المعتقلات في العالم. إذ بلغ عدد المعتقلين فيه، في الأشهر الأولى التي تلت تدشينه عشرة آلاف أسير. هذا المعتقل الذي شهد أبشع أساليب التعذيب الوحشية، أقفل في 4 نيسان 1984 بعد انسحاب العدو من بعض المناطق التي احتلها خلال الاجتياح. علماً بأن أرض المعتقل وما عليها تعود إلى أملاك خاصة، وقد حوّله أصحابها في أواخر التسعينيات إلى متنزه بعد طمس جميع معالمه.