في وقت تتعمّد فيه السلطة بكل مكوّناتها إغفال مطالب الجامعة اللبنانية، هل يتكرر مشهد الائتلاف الطائفي ليأتي برابطة جديدة للأساتذة عاجزة سلفاً عن مقاومة إملاءات السلطة؟
فاتن الحاج
فوّت سقوط التزكية في انتخابات رئاسة مجلس مندوبي رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية على القوى السياسية نشوة «الانتصار المضمون بالجيبة منذ الصباح». ومع أن النتيجة كانت محسومة سلفاً نظراً إلى الاصطفاف السياسي، فقد أضاف استمرار المرشح المستقل د. عباس ماجد، مدعوماً من «اليسار الديموقراطي» في الانتخابات نكهة خاصة أثارت من حين إلى آخر تململاً في بعض أوساط «المتوافقين».
«شو هالمعركة النكد، هلق بدنا ننتقع هون للساعة أربعة»، عبارات قالها أساتذة جامعيون ضاقوا ذرعاً بـ«الديموقراطية». ومع تقدم ساعات النهار، نشطت الاتصالات الهاتفية بأساتذة المناطق لحثهم على الاقتراع بكثافة، على خلفية «أنّنا لا نستطيع أن نتراخى كثيراً». وفي المحصلة، اقترع 114 مندوباً من أصل 153، فنال المرشح التوافقي النقابي د. وسيم حجازي 86 صوتاً، فيما حظي ماجد بـ 23 صوتاً، وعثر على 3 أوراق بيضاء وورقتين ملغاتين. وكان د. إميل مارون (تيار وطني حر) قد فاز بالتزكية بمنصب أمين سر مجلس المندوبين.
للمرّة الثالثة، تجرى انتخابات الهيئة التنفيذية في سياق تحاصص طائفي ومذهبي تجسّده قوى في الرابطة لها امتداد في السلطة السياسية. هذه السلطة، كما يقول د. حسان حمدان (الحزب الشيوعي) «تمارس سياسة تدمير للجامعة اللبنانية ولحقوق الأساتذة. وأبرز مثال على ذلك إغفالها المطالب الإصلاحية والمعيشية التي يرفعها الأساتذة منذ أكثر من 10 سنوات».
«لكن لا نجاح بالأكثرية بقرار من مجلس الملّة»، يقول د. شفيق شعيب (اليسار الديموقراطي)، مشيراً إلى أننا «سنسقط التزكية في انتخابات الهيئة التنفيذية أيضاً وسنؤلف لائحة ثانية». هنا، يلفت د. عبد الله زيعور (حزب الله) إلى أنّ «الانتخابات لا تعدو مجرد تأكيد حضور لبعض القوى غير الممثلة في مشروع الرابطة، علماً بأنّها تعترض على الاعتبارات التوافقية نفسها التي أتت بها في الدورة السابقة إلى الهيئة التنفيذية». ويتمنّى زيعور أن يتأكد المناخ التوافقي في انتخابات رئاسة مجلس المندوبين (أمس) ليترك بصماته على انتخابات الهيئة.
لكن، يبدو أنّ كرة رئاسة الهيئة لا تزال في ملعب الفروع الثانية، تطبيقاً لميثاقية توافق القوى السياسية نفسها على مبدأ المداورة، أي أنّ الرئاسة هي للمسيحيين هذه المرّة. وفي هذا الإطار، يقول د. حسن زين الدين (حركة أمل): «سنقبل بالاسم الذي تتوافق عليه الفروع الثانية، وإذا لم تفعل فسيكون لنا دور في الاختيار بين المرشحين الثلاثة، وسندعم كلاً من د. بسام الهاشم ود. شربل كفوري».
لهذا المنصب يترشح د. بسام الهاشم (تيار وطني حر) الذي أعلن أنّه «لن ينسحب من معركة يصبّ فيها 21 أستاذاً من أصل 37 في الفروع الثانية لمصلحتنا». ويرفض المرشح الثاني د. شربل كفوري (كتلة وطنية) الإدلاء بأي تصريح. وفي وقت يقدم فيه نفسه على أنّه مرشح الخط النقابي، تتحدث مصادر في الفروع الثانية عن أنّه «مرشح تيار المستقبل، والجميع يعرف ارتباطاته بهذا التيار». لكن د. نزيه خياط (تيار المستقبل) يستغرب هذه المقولة، لافتاً إلى أنّ كفوري مرشح توافقي، والمعركة تحصل إذا بقي الهاشم ود. عصام خليفة، المرشح الثالث، في الانتخابات.
أما خليفة فينفي أن يكون هناك موقف نهائي حتى الآن. ويشير إلى أنّ التوافق يستطيع أن يحقق المطالب شرط أن يأتي مضمونه برابطة تدافع عن الجامعة وتواجه الفساد الضارب في شروشها. وعن انتخابات رئاسة مجلس المندوبين يقول: «كلا المرشحين يملك الصفات النقابية ولتأخذ الديموقراطية مجراها».
المرشح د. عباس ماجد أكد أنّه ليس موهوماً بالفوز، وأنّه ترشح بقرار شخصي رفضاً للتعليب وإنقاذاً للعبة الديموقراطية. أما المرشح الفائز بالدورة الانتخابية 2010 - 2012 وسيم حجازي فاختبر، كما يقول، أنّ العمل خارج رابطة الأساتذة ليس فعّالاً، والدليل تجربته داخل التجمع الوطني لأساتذة الجامعة اللبنانية. حجازي انسحب من انتخابات الدورة الماضية بسبب اعتراضه على مبدأ المداورة، لكنّه اليوم يبدو متيقناً من أنّ الرابطة تستطيع أن ترفع الصوت في وجه السلطة بغضّ النظر عن مكوناتها وتوجهاتها. ويظهر أنّ حجازي سيفسح المجال أسبوعاً أمام الرئيس الحالي للهيئة التنفيذية، د. حميد الحكم، لتحقيق مطلب احتساب المعاش التقاعدي للأساتذة على أساس القسمة على 35 بدلاً من 40 قبل أن يدعو إلى انتخاب هيئة تنفيذية جديدة. هذا المطلب وتعيين العمداء سيكونان على جدول أعمال الاعتصام الذي ينفّذه أساتذة الجامعة اللبنانية، الرابعة من بعد ظهر اليوم، أمام السرايا الحكومية.