تجدد الخلاف بين أهالي جرد النجاص وأهالي بشري حول أنابيب لجر المياه الري من القرنة السوداء، أمس عُقد اجتماع في سرايا طرابلس لمعالجة المشكلة دون التوصل لأية نتيجة
الضنية ــ عبد الكافي الصمد
ظهيرة يوم الجمعة الماضي، طال انتظار أهالي منطقة جرد النجاص في أعالي بلدة بقاعصفرين ــــ الضنية، كانوا ينتظرون وصول المياه التي تجرّها أنابيب بلاستيكية (نباريش) إلى أراضيهم الزراعية، من الثلوج الذائبة والمتراكمة فوق قمة القرنة السوداء ومحيطها لجهة الضنية، لكن المياه لم تصل برغم مرور ساعات، وعندما ساورتهم شكوك بأن اعتداءً ما تعرضت له هذه الأنابيب كما في كل سنة، صعدوا من الجرد صوب القرنة لتفقد الأمر، وكانت المفاجأة كبيرة، فالأنابيب قُطعت والمعتدون أخذوها معهم!
هذه المشكلة تتكرر سنوياً، وتمثّل نقطة خلاف بين أهالي بقاعصفرين، الذين يستخدمون هذه المياه في ريّ مزروعاتهم في منطقة جرد النجاص، وأهالي بشري، في المقلب الآخر من القرنة السوداء، الذين يرون أن جرّ هذه المياه يؤثر على المياه الجوفية والينابيع في منطقتهم وجوارها، ويمثل تعرضاً لموقع طبيعي صنفته الجهات الرسمية محمية طبيعية يمنع الاقتراب منها. يُشار أيضاً إلى أن المنطقة موضع نزاع حول ملكية مشاعاتها بين الطرفين، من غير أن يخفى أن وراء هذا الصراع محاولات ضمنية لوضع اليد على القمة الأعلى في لبنان، وذلك لأهداف سياحية وبيئية واقتصادية، برغم أن خرائط رسمية، ومنها خرائط مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، توضح أن القرنة السوداء ومحيطها حتى حدود 3 كيلومترات دائرياً تقريباً، تقع ضمن مشاع بلدة بقاعصفرين.
تُبذل كل عام جهود لاحتواء تداعيات هذه المشكلة مؤقتاً، إلا أن أية إجراءات لم تتخذ لمنع تجدد الخلاف وإيقاف تعدي أي طرف على أراضي الغير.
في الأعوام السابقة، كان «المعتدون» يقطعون الأنابيب ويرمونها جانباً، فيعيد الأهالي وصلها، ويجري أحياناً تبادل لإطلاق النار ومطارادت، لكن دون سقوط ضحايا. الجديد هذا العام أن المعتدين حملوا الأنابيب معهم، ما يعني أنه يترتب على أهالي جرد النجاص أن يشتروا أنابيب جديدة.
أهالي المنطقة يستصلحون الأراضي الزراعية منذ عشرات السنين، وتدريجياً، وقد كانت توضع أنابيب سعتها إنش ونصف، ولا يزيد عددها حالياً عن خمسة، قرب «الثلاجات» (أماكن تراكم الثلوج قرب القرنة)، ثم تُجرّ المياه الذائبة بالأنابيب لمسافة تتراوح بين 3 و5 كيلومترات، ويُنشئ الأهالي بُركاً ترابية صغيرة لتجميع مياه الأمطار والأنابيب فيها لاستخدامها عند الضرورة، هذه الطريقة كان يمكن الاستغناء عنها لو أنجز مشروع بحيرة عطارة بين جرد النجاص والقرنة السوداء، التي يمكن أن تتسع لكميات كبيرة من المياه، إلا أن أخطاءً فنية شابت عملية التنفيذ أواخر التسعينيات، فتوقف المشروع.
منطقة جرد النجاص لا تبعد كثيراً عن بقاعصفرين، وما زال الجزء الأكبر من طريقها ترابياً، ولم تصلها الكهرباء إلا العام الماضي، وهي منطقة زراعية جردية «تعتاش منها أكثر من 300 عائلة تعمل فيها صيفاً لفترة تتراوح بين 5 و6 أشهر» على حد تعبير رئيس بلدية بقاعصفرين منير كنج الذي أوضح أن «أنابيب المياه التي قطعت وسرقت يبلغ طولها أكثر من 8 آلاف متر، وسعرها يتراوح بين 15 و20 دولاراً، وأُبلغت استخبارات الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بالموضوع لمعالجته»، مشيراً إلى أن «الاجتماع الذي عقد أمس في سرايا طرابلس بدعوة من محافظ الشمال ناصيف قالوش، وجمع وفداً من بلديات الضنية وآخر من بلديات بشري المعنية بالموضوع من أجل معالجته، لم يتوصل إلى أي نتيجة، وقد دعانا قالوش إلى اجتماع آخر يوم غد».
أكد كنج أن «أهالي المنطقة لا يعتدون على أراضي جيرانهم وحقوقهم في المناطق المجاورة، وهم حريصون على أفضل العلاقات معهم»، نافياً ادعاءات القائلة إن «جرّ مياه الثلوج الذائبة عبر أنابيب يمكنها أن تؤثر على المياه الجوفية والينابيع في المنطقة وجوارها، وهو ما أكدته تقارير رسمية عديدة»، مشيراً إلى أن «هذه الحقوق في المنطقة نمارسها منذ عشرات السنين ولدينا خرائط تثبت ذلك، ولن نفرّط بها»، داعياً الجهات المعنية إلى «وضع يدها على الموضوع وإنهاء التعديات».
وجهة نظر أهالي بشري تلتقي مع رأي أهالي بقاعصفرين في ضرورة إنهاء التعديات، فإن هذه التعديات يفسرها كل طرف وفق ما يراه صواباً، ما يجعل تدخل الجهات الرسمية مطلوباً «لاحتواء مشكلة نعرف كيف تبدأ، ولكن لا نعرف كيف تنتهي» وفق رئيس بلدية بشري أنطوان الخوري طوق.
طوق قال لـ«الأخبار» إن الحكومة أصدرت عام 1998 قراراً تعتبر بموجبه أن «المناطق التي ترتفع عن سطح البحر أكثر من 2400 متر، يمنع التعرض لها، وصنفت منطقة القرنة السوداء ومحيطها محمية طبيعية».
وقال طوق «بما أن كل طرف يقول إنه يمتلك وثائق وتقارير تدعم وجهة نظره، فإن هذا الأمر لا تحله سوى الجهات الرسمية»، لافتاً إلى أنه «تدخلنا كإدارة محلية لمنع قيام أي احتكاك بين الأهالي»، مجدداً دعوته «وقف التعديات، وإقامة حماية جبرية في المنطقة برعاية الجيش اللبناني».
وأوضح طوق أن «الثلاجات تغذي الينابيع في موسم الجفاف، والتعدي عليها يؤثر سلباً على مصادر المياه في بشري والضنية وصولاً إلى وزغرتا والهرمل وغيرها».
أكد طوق أن «الموضوع تقني له علاقة بالحفاظ على المواقع الطبيعية ومصادر المياه ومنع التعديات عليها، وليس نتيجة خلاف بيننا وبين أهالي الضنية الذين نحرص على أن تكون علاقتنا بهم جيدة».


أين الوزارات المعنية؟

تجدد النزاع «سنوياً» على مياه القرنة السوداء ومشاعاتها، يدفع المعنيين إلى إعادة طرح السؤال الآتي: لماذا لا تتدخل الوزارات المعنية تدخلاً جدياً وحاسماً لحل هذا النزاع؟ والمقصود بهذا السؤال وزارات الداخلية، البيئة، الزراعة، الدفاع، والطاقة والمياه.
الأهالي يتحدثون عن إرسال مندوبين لبعض الوزارات، حيث يُعدّ هؤلاء المندوبون تقارير عن المنطقة وعن وسائل الري المعتمدة، وعن ملكية الأراضي. لكن لا تُعتمد خطوات جدية لتنفيذ ما يوصي به معدو التقارير.
من جهة ثانية، يتخوف الأهالي من تطور النزاع وسقوط ضحايا.