كادت منافسة بين حافلتين على «اصطياد راكب» تؤدي إلى وقوع مجزرة. إذ وقع صدام مسلّح بين سائقي حافلات عمومية في مار تقلا أدى الى إصابة مواطنين. انتهت المشكلة هناك، لكنها بدأت تنتقل إلى مناطق أخرى، ولم توقف القوى الأمنية أحداً...
محمد نزال، زينب زعيتر
«إنّك أمام خيارين: فإمّا أن لا تخرج من بيتك في محيط مناطق الفنار، سد البوشرية، الجديدة، الرويسات، ومار تقلا، أو أن تخرج مرتدياً سترة واقية من الرصاص، بعد أن تودّع أهلك وأصدقاءك، لأنك قد لا ترجع إلى المنزل». هذا ما باتت عليه الحال في المناطق المذكورة، بعد سلسلة من الحوادث المسلحة، كان آخرها ما حصل أول من أمس في منطقة مار تقلا، حيث تطورت مشكلة قديمة جديدة بين عدد من سائقي حافلات النقل العمومية، فاستخدمت أسلحة حربية رشاشة، ما أدّى إلى إصابة مواطنين أحدهما في حال حرجة، إضافة إلى خسائر مادية طاولت المحالّ المحطية، فيما فرّ مُطلق النار إلى «جهة مجهولة».
بدأت المشكلة صباحاً بين أشخاص من آل ن. وهم من سائقي الحافلات رقم 6، وآخرين من آل ح. وهم من سائقي حافلات «الصاوي ـــــ زنتوت»، وذلك على خلفية «تضارب مصالح ومزاحمة على قطف الركاب»، بحسب ما أكّد مسؤول أمني لـ«الأخبار»، إضافة إلى عدد من شهود عيان. تلاقى السائقون «المتحاربون» عند تقاطع مار تقلا، بعد انطلاقهم من محطة نهر الموت، فحصل تضارب بالأيدي قبل أن يتطور الأمر إلى إطلاق نار، فأصيب شخص من آل ح.
مرّت دقائق قليلة، قبل أن يكمن عدد من الأشخاص من آل ن. للحافلة التي تعود للعائلة الأخرى، حيث استقل 4 أشخاص مسلحين سيارة صغيرة سوداء اللون، داكنة الزجاج. بدأت المطاردات «المافياوية» بين الفريقين، وعلى مدى ساعات ظلّت القوى الأمنية غائبة عن الحدث.
إطلاق نار غزير، صراخ مستغيثين، دماء وجرحى على الأرض. هكذا بدا المشهد كأنه ساحة حرب. أحد الشهود العيان نقل لـ«الأخبار» ما شاهده، فقال إن شخصاً من الذين كانوا في السيارة السوداء فتح الزجاج وأطلق النار من مسدس نحو إحدى الحافلات، ففرّ السائق مسرعاً لتلافي الإصابة. لكن حافلة أخرى كانت خلفه، فأطلق النار باتجاهها أيضاً، فأصيبت بوابل من الرصاص. جُرح السائق بطلق ناري اخترق وجهه (خرج من فمّه). واستمّر مسلسل إطلاق النار مدّة 5 دقائق، فهرع ركّاب الحافلة للخروج منها، بعدما كادت تحصل مجزرة. أُصيبت إثر ذلك فتاة بطلقات نارية في رجلها. المصابة هي الزميلة زينب زعيتر، التي تعمل في تلفزيون «الاتجاه» (عراقي)، وتقيم في المنطقة التي وقع فيها الصدام. تتحدث زينب بأسى عمّا حصل، وتلقي باللوم على الأجهزة الأمنية «المقصّرة في حفظ الأمن»، وتردف قائلة: «نتحدث دائماً عن سلاح حزب الله والسلاح داخل المخيمات، وينسى المعنيون التصدّي لظاهرة استفحال السلاح الفردي الموجّه نحو المواطنين الأبرياء». وتضيف من على سريرها في المستشفى: «لم يكن هناك جدّية في التعاطي مع الحادث من الأجهزة الأمنية. فالحادث الأخير في مار تقلا سبقته ثلاثة حوادث تخللتها عمليات إطلاق النار. أين المعنيون؟ من سيحاسب هؤلاء؟». تخضع زينب اليوم لعملية جراحية في رجلها، بعدما تعرضت لكسور وجروح نتيجة اختراق 3 شظايا، بحسب ما أكّد الطبيب المعالج حبيب ناضر.
حضرت القوى الأمنية، أخيراً، لكن بعد انتهاء «المعركة»، فنقلت المصابة إلى المستشفى، وكذلك السائق المصاب عماد ن. (29 عاماً ـــــ متزوج وله 3 أولاد). يقول زين ن. وهو ابن عم عماد، إن الأخير «لا علاقة له بالمشكلة من الأصل، لكنه أصيب بسبب تشابه في الأسماء، أو لأن الأشخاص الآخرين من آل ح. يريدون الانتقام من أي شخص من عائلتنا». ويختم زين مطالباً القوى الأمنية بـ«التشدّد في قمع السلاح الفردي وسحبه من الأيدي، ومعاقبة كل من سبب الحادث؛ فهذا التقصير لن يكون مقبولاً بعد اليوم. لا نريد إلا أن ننعم بالأمان والاستقرار».
يُشار إلى أن أخباراً ترددت بين أقارب المصابين عن توقيف 3 أشخاص «لا علاقة لهم بالحادث، سوى أنهم من أقارب عماد». لكن مسؤولاً أمنياً متابعاً أكد لـ«الأخبار» عدم وجود موقوفين لدى قوى الأمن الداخلي، لكن «ربما أوقف الجيش اللبناني عدداً من الأشخاص». وعن التداعيات وردّات الفعل التي يمكن أن تخلفها هذه المشكلة، رأى المسؤول الأمني أن «ردّات الفعل قد تحصل في أماكن أخرى، لكن منطقة مار تقلا قد أصبحت آمنة بعد تسيير العديد من الدوريات»، لافتاً إلى حصول مشكلة، على الخلفية عينها، في منطقة الضاحية الجنوبية، حيث وقع اعتداء على سائق إحدى حافلات «الصاوي ـــــ زنتوت».
من جهته، علق رئيس اتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية، عبد الأمير نجدي، على ما حصل بسؤال: «أين السلطة؟»، مبدياً يأسه من الحال التي وصل إليها النقل العام في لبنان، قائلاً: «فالج لا تعالج، المسألة مرتبطة بعدد آليات النقل الكثيرة في ظل عدد الركاب القليل، وهذا ما يؤدي إلى المزاحمة بين السائقين. لقد تقدمنا منذ مدة طويلة بخطة نقل متكاملة إلى رئاسة مجلس الوزراء، وما زالت إلى الآن لدى الرئاسة ولم تعرض على الوزراء حتى الآن، علماً بأنها تلحظ تنظيم النقل العام وتُحدد خطوط العمل على الأراضي اللبنانية، إضافة إلى تحديد قدرة كل خط على استيعاب الحافلات».
صدام أول من أمس ليس الأول من نوعه؛ ففي 16 تشرين الأول من العام الماضي، أصيب مواطنان بجروح في منطقة برج حمود بطلقات نارية من سلاح «بومب ـــــ أكشن»، وذلك أثناء تظاهر عدد من سائقي الحافلات العمومية للاحتجاج على «الاعتداءات التي يتعرضون لها من بعض البلطجية المحميين من جهات رسمية» (راجع الأخبار عدد 17 تشرين الأول 2009 ـــــ إطلاق نار على متظاهرين).


وضع حد لهذه المهزلة

أكد المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، أنه أعطى تعليمات وأوامر «حاسمة وصارمة لوضع حد لهذه المهزلة» التي تحصل كل مدّة بين سائقي الحافلات العمومية في تلك المنطقة وبقية المناطق. وإذ أشار ريفي في حديث لـ«الأخبار» إلى عدم وجود موقوفين في هذه المشكلة لغاية اليوم (أمس)، أكد معرفة أسماء الذين شاركوا في إطلاق النار في الصدام المسلّح الذي وقع، «ونحن مستمرون في ملاحقتهم، لأنه ليس جائزاً أن يعرضوا أرواح المواطنين للخطر بسبب مشاكلهم الشخصية، وبات واجباً أن يوضع حد لهذه المسخرة».