أدرجت وزارة الثقافة قصرَي حنينة وزيادة على لائحة الجرد العام، ما يعني تصنيفهما ومنع مالكيهما من المساس بهما أو تغيير معالمهما. إنقاذ المبنيين العريقين من براثن الجرافات مهمة اكتملت بسرية تامة هذه تفاصيلها
جوان فرشخ بجالي
يقبع قصر حنينة عند تقاطع القنطاري ــــ زقاق البلاط، ويختبئ وراءه قصر زيادة. القصران مهمان جداً لتاريخ العاصمة كشاهدين على بداية القرن العشرين وأحياء زقاق البلاط.
بدأت فكرة إدراج القصرين على لائحة الجرد العام حينما باشرت اللجنة الوطنية للتراث، بالتعاون مع وزارة الثقافة، التحضير لأيام التراث التي شهدتها العاصمة في شهر أيار الماضي تحت عنوان «من الأبجدية إلى النهضة دروب وشخصيات».
تضمن برنامج النشاط يومها زيارة للبيوت القديمة في منطقة زقاق البلاط، فما كان من وزارة الثقافة إلا أن وجّهت إلى مالكي البيوت التراثية في المنطقة رسائل تطلب منهم فيها السماح للزوّار بدخول منازلهم. معظم المالكين وافقوا إلا السيّد سعد الدين الوزان، العضو السابق في مجلس بلدية بيروت، ومالك أكثر من ثلثي أسهم قصرَي حنينة وزيادة. رفض الوزّان المشاركة بهذا الحدث الوطني، فبقيت أبواب القصرين الأهمّ في منطقة زقاق البلاط موصدة بوجه الزوّار، ما أثار الريبة في نفوس منظّمي الحدث، وخصوصاً ريما شحادة، المسؤولة عن ملف بيوت بيروت في المؤسسة الوطنية للتراث. بعد الاستشارات، طلبت شحادة من أحد المالكين القدامى السماح لها بدخول القصرين، وهالها المنظر. نار أُضرمت داخل الغرف فاسودّت الجدران، وباتت الأسقف الخشبية الدمشقية تقع على رؤوس العمال الذين يسكنون داخل قصر زيادة. مياه الشفة تنخر في الأساسات وتسبب صدأ الحديد. وضع يؤكد أن القصر على شفير الانهيار والكلّ ينتظر ذلك أو يدفع باتجاهه. حينها أخذت شحادة على عاتقها ملف القصرين وبدأت حملتها للحفاظ عليهما خاصة، على الرغم من أنهما كانا مصنّفين في الدرجة C، التي تمنع تدمير العقارات.
ولكن الإدراج على لائحة الجرد العام يحفظ المباني أكثر لجهة التأكيد النهائي على أهميتها على صعيد تراث الوطن. بناءً عليه تقدّمت المؤسسة الوطنية للتراث بطلب التصنيف، وعملت شحادة بمساعدة المديرية العامة للآثار على تأمين أوراق الملف من خرائط وصور ودراسات تاريخية، ثم أحالته على وزارة الثقافة. وفي مهلة لم تتخطّ الشهرين، وافقت الوزارة على الطلب ونشر الخبر في الجريدة الرسمية.
خطوة قد تثير الخوف في قلوب بعض المواطنين من الدولة ومؤسساتها، وخصوصاً أن الشعب عادة ما يتعاطى مع مواضيع التراث من مبدأ «أن الدولة ستخرب بيته». لكن المسؤول عن الترميمات في المديرية العامة للآثار، يشرح أهمية هذا الأمر. فيشدّد أولاً على أن «الإدراج في الجرد العام ليس استملاكاً أو نزع ملكية للعقار، بل هو شهادة رسمية بأهمية المبنى التاريخية والهندسية». ففي لبنان، لم يبدأ العمل بعد بإدخال كل المباني التراثية في الجرد العام، بل تلك المميزة من بينها فقط تأكيداً على أن المحافظة عليها حق عام نظراً لأهميتها. لذا، يصاحب قرار الإدراج قيود على أصحاب العقار الذين لا يحقّ لهم إتمام أي عملية ترميم أو صيانة من دون الموافقة المسبقة للمديرية العامة للآثار، التي تقدّم خبراتها الفنية وخبراءها من دون بدل أتعاب. ويجري العمل حينها للقيام بترميمات بما يسمح بالمحافظة على القيمة التاريخية للبناء. ويشدد خبير المديرية العامة للآثار على أن «الإدراج لا يعني أبداً تجميد وضع البناء بل السماح بتطويره بما يحفظ قيمته الهندسية والتراثية».
ويقول الخبير إن المرحلة الثانية من الجرد العام هي «قائمة التسجيل»، التي ما إن يضاف إليها عقار حتى يحق لصاحبه «مطالبة الدولة بمساعدته مادياً بأعمال الترميم التي يتطلبها المبنى». وطلب الإدخال بالجرد العام يمكن أن يتقدم به صاحب العقار أولاً، أو حين يشعر المجتمع المدني بالخطر على بناء تاريخي، فتتقدم جمعية مرخص لها، تعنى بالحفاظ على التراث والآثار، أو نقابة المهندسين أو المجلس البلدي لقرية أو مدينة ما. وهذا ما حصل في قصري حنينة وزيادة.
يذكر أن مالك العقار الجديد، سعد الدين الوزان، برّر شراءه القصرين بسببين متناقضين. مرة يقول إن مشروعه «حماية القصرين بهدف تجميل محيط البرج الذي ينوي تشييده على مفترق الطريق»، ومرة يقول إنه يريد بيعهما لاحقاً بأسعار عالية. ويكشف أن هناك فعاليات سياسية تقدّمت منه بطلب شراء القصر لتحويله إلى مقرّ سياسي لها، وهي بالطبع تبحث في المنزل عن الوجاهة التاريخية والعراقة التي يقدمها مبنى كهذا. ولكنه رفض البيع لأن السعر غير مرضٍ. أما عن مشاريعه من شراء هذين المنزلين، فيقول إنه اشتراهما حينما قرر مع شريكه بناء برج يصل إلى 19 طابقاً على مفترق الطرق المؤدي إلى المنزلين. «الفكرة الأولى كانت تأمين المشهد الجميل من البرج، كما أنه إذا أقرّ قانون حماية الأبنية التراثية، فهناك نقل عامل الاستثمار الذي يسمح لنا بالارتفاع أكثر بالبرج». ويعتبر الوزان أن «القصرين ليسا بمهمين جداً هندسياً، نستطيع بناء ما هو أجمل منهما على الطراز القديم». هذا كان كلامه قبل إدخال القصرين في لائحة الجرد العام. اما اليوم، وبعد أن تلقى الخبر من الدوائر العقارية وعرف أنه لن يستطيع القيام بأي مشروع إلا بعد مناقشة المديرية العامة للآثار التي يحق لها توقيف كلّ الأعمال المخالفة فيرى ان القرار يشكل افتراء عليه، ولا مصلحة للقصرين منه.