تعذر سوق الموقوفين»، هذه الذريعة الجديدة باتت تعرقل عمل المحاكم في الجنوب. أما سبب المشكلة فمرده إلى نقص في عتيد القوى الأمن الداخلي وعتادها والتقصير في التبليغ، ما يؤدي إلى تأجيل البت في الملفات القضائية
سوزان هاشم
خلال الجلسة الرابعة أمام محكمة جنايات النبطية، تأجلت محاكمة عامر (اسم مستعار) الموقوف بتهمة قتل الصيرفي جعفر الأمين قبل نحو عام ونصف. تأجّلت المحاكمة لأنه لم يُسق المتهم من سجن رومية المركزي، كونه لم يبلّغ موعد الجلسة، من دون إيداع أي برقية لدى المحكمة، تفيد بتعذر السوق كما تجري العادة. هذا الأمر أثار استياء رئيس المحكمة القاضي محمد مظلوم، فقدّم كتاباً إلى مديرية التفتيش في المديرية العامة للأمن الداخلي. طلب القاضي مظلوم إجراء تحقيق في سبب عدم سوق المتهمين من سجن رومية، وخاصة أن هذا التصرف تكرر.
تأجيل الجلسة الرابعة لمحاكمة عامر أشعل فتيل الغضب والإحباط لدى عائلة المغدور، فقد حضر أفرادها إلى قاعة المحكمة أملاً بانتظار بدء استجواب المتهم لمباشرة السير في الدعوى التي رفعوها.
ليست عائلة الأمين وحدها التي يُعلّق زمن البت في ملف ابنها المغدور على إمكانية قوى الأمن الداخلي إحضاره إلى محاكم الجنوب، فهو الأمر عينه بالنسبة لجميع أطراف الدعوى، فالكثير من الموقوفين أيضاً القابعين في السجن ينتظرون فك أسر ملفاتهم العالقة في محاكم الجنوب. عيسى (اسم مستعار) أحد هؤلاء، فللمرة الخامسة على التوالي تعذر سوق هذا الشاب من سجن رومية إلى قفص الاتهام في محكمة جنايات صيدا حيث تجرى محاكمته. الجلسة كانت مقررة لاستجواب عيسى، ولكن مشكلة سوقه جعلت ملفه القضائي أسير التأجيل المتمادي. هذا التأجيل يعني إطالة مدة التوقيف، وهنا يُشار إلى أن الشاب موقوف منذ أكثر من عامين. وقد رفضت السلطات المختصة طلبات إخلاء السبيل التي قدمها وكيله، هذا الرفض عُلل بالجرم المنسوب إليه.
لماذا لم يُباشر في تنفيذ مشروع بناء سجن صيدا؟ فمن شأنه تخفيف عبء نقل المساجين
لا بد من الإشارة إلى أن المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنص على أنه «ما خلا حالة المحكوم عليه سابقاً بعقوبة مدتها سنة على الأقل، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجنحة شهرين... ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة أشهر، يمكن تجديدها مرة واحدة بقرار معلل». بيد أن المحامي نصير أحمد يلفت إلى أنه «في الكثير من الأحيان تتجاوز مدة التوقيف هذه الفترة القانونية، ويأتي في المقابل عدم سوق المتهم لاستجوابه إلى تمديد فترة البت في محاكمته، ما يزيد الطين بلة».
التذمر بهذا الشأن لم يعد محصوراً فقط بأطراف الدعوى أو المحامين، فقد علا صوت القضاة في الجنوب، في صيدا والنبطية وصور، وقد رفعوا مذكرات إلى المعنيين لا سيما وزارة الداخلية والعدل والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي طالبين في مضمونها حل هذه الأزمة، التي باتت تمثّل عائقاً رئيسياً لسير العدالة فيها وتحول دون البت في الملفات المكدسة أمامها. بيد أنه «راوح مكانك»، فحتى الآن لا «حياة لمن تنادي»، والكلام لمسؤولين قضائيين من داخل «عدليات الجنوب».
إذ غالباً ما تودع برقية من سجن رومية، قبيل انعقاد جلسات المحكمة، في الأقلام، يُعتذر من خلالها عن سوق الموقوفين، لسببين، أي لضرورات الخدمة وهي عبارة تعني بحسب ما يشرح عنصر أمني، «نقصاً في العناصر المولجة القيام بذلك لارتباطها بنقل موقوفين آخرين إلى محاكم أخرى»، وعدم وجود آلية. بيد أن «ما يطرح علامات استفهام في هذا الشأن هو عندما لا تُرسل التبليغات إلى داخل السجن؟»، يسأل أحد القضاة، مستغرباً كيف أنه «في إحدى الدعاوى أُحضر موقوف دون شقيقه، وهما معنيان بالملف ذاته وقابعان سوياً في رومية؟»، ويستغرب المحامي إبراهيم عواضة الإهمال الحاصل لناحية عدم التبليغ وتالياً عدم سوق المتهمين، متسائلاً «لمصلحة من يحصل ذلك، ما من شأنه أن يمنع إحقاق الحق ويعيق سير العدالة؟». مردفاً أن الأمر في هذا الشأن لم «يعد مقبولاً أبداً في الجنوب، كونه يتكرر بطريقة فاضحة.
من ناحية أخرى، فإن «إجراءات سير الدعاوى الجزائية عامة تتطلب الكثير من الوقت منذ وصولها إلى النيابة العامة وحتى بلوغها مراحل التحقيق لدى غرفة المحكمة، لتأتي مسألة عدم سوق المتهمين لتطيل من رحلة الدعاوى الجزائية في الجنوب»، يوضح المحامي نصير أحمد مستهجناً «لماذا لم يُباشر في تنفيذ مشروع بناء سجن صيدا؟ من المؤكد أنه سيسهم في تخفيف عبء نقل السجناء من رومية الذي يعتبر أيضاً رحلة شاقة بالنسبة للأهالي»، ويتابع أحمد مقترحاً، «توسيع سجون الجنوب الضيقة لتستوعب عدداً أكبر من الموقوفين تخفيفاً من الأزمة القائمة، علماً بأن الموقوف يقبع 4 أيام في نظارات المحاكم في الجنوب لينقل في ما بعد إلى السجن».
وقد رُصد أخيراً 19 مليار ليرة لبنانية لبناء سجن في كل من منطقة الشمال والجنوب، حيث من المرجّح أن يكون في صيدا وتحديداً في منطقة المعروفة بـ«تلة مار الياس»، بحسب ما تفيد مصادر مطّلعة. بيد أنه حتى اللحظات تبقى هذه المشاريع أسيرة الحبر والورق من دون أن تملك وزارة الداخلية أي جواب على التأخير في ذلك. مهما يكن، تبقى هناك مسألة أخرى أيضاً وهي «سوء التنسيق بين المحاكم في تحديد موعد جلسات بعض الموقوفين الذين تصادف لديهم أكثر من جلسة لدى محاكم متنوعة في اللحظة ذاتها، الأمر الذي يعيق نقلهم إلى المحاكم».
في إطار الحديث عن نقل الموقوفين، لا بدّ من الإشارة أخيراً إلى الآليات المعدّة لهذه العملية، وهي عبارة عن صناديق حديدية «لا تذكرنا سوى بآليات نقل الحيوانات، لا سيّما أنها تشبه إلى حد كبير تلك المعدّة لنقل الكلاب الشاردة، وهو شكل آخر يضاف إلى أشكال إذلال الموقوف، الذي يعتبره القانون بريئاً حتى تثبت إدانته» على حد تعبير الأستاذ أحمد الذي ينهي كلامه مقترحاً أن تُستبدل هذه الآليات بباصات مصفّحة ومجهّزة لنقل الموقوفين.


نقص في العناصر وسوء في الإدارة

يعزو مسؤول رفيع في القوى الأمن الداخلي مشكلة سوق المتهمين إلى المحاكم، إلى نقص رهيب في عدد العناصر الأمنية المولجة القيام بهذه المهمات من جهة. يقول المسؤول: «18 ألفاً من رجال قوى الأمن الداخلي موزعون على أعمال الضابطة الإدارية والعدلية، وهو عدد جد ضئيل لإنجاز المهمات المنوطة بهم، إذ يلزم القانون وجود عنصرين مع كل موقوف يُنقل من أماكن توقيفه، أما على أرض الواقع فتختلف الصورة تماماً، بالكاد يتوافر عنصر مع كل 6 موقوفين، أضف إلى ذلك، النقص في عدد آليات النقل التي لا تلبي الحد الأدنى من الحاجة المرجوة، وخصوصاً في السجن المركزي أي رومية. ومن جهة أخرى فإن جهاز قوى الأمن الداخلي يعتريه سوء في الإدارة والتنظيم»، يتابع المسؤول «أحياناً يوازي عمل العنصر الأمني الواحد في بعض المراكز، 10 عناصر يعملون ليل نهار مقارنة بالمراكز أو الإدارات الأخرى، زد على ذلك أن بعض الإدارات يعمل فيها عدد عناصر أمنية تفوق الحاجة المطلوبة، فيما يعتري النقص مراكز وإدارات أخرى، وهو ما يصح على مديرية سجن رومية».