يطالب أهالي المنية ودير عمار بتحسين تغذية مناطقهم بالتيار الكهربائي، بالنظر إلى وجود معامل توليد الكهرباء في منطقتهم. ولهذه الغاية قاموا أكثر من مرة بتحرّكات احتجاجية. لم يلق الاحتجاج تجاوباً من جانب الدولة اللبنانية، لكن الأسوأ من ذلك أن الانقطاع المتكرر للطريق بات يستفز أهالي عكار جرّاء تحميلهم وزراً لا شأن لهم به
عكار ــ روبير عبدالله
على عكس صباح كل اثنين، لم تسجل الكثافة المعتادة في حركة السيارات من عكار باتجاه عاصمة الشمال طرابلس. لا بل إن اللافت كان حركة معاكسة لتلك الأرتال من السيارات، أي باتجاه عكار، كأنها في طريق العودة المعتاد مع آخر كل نهار. كانت السيارات تعود إلى القرى، لأنه تبين أن الأهالي في منطقة دير عمار ــــ المنية قطعوا الطريق، مرة إضافية احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي وعلى زيادة ساعات التقنين. فمن وجهة نظر أهالي المنية ودير عمار، فإن تحركهم يأتي من أجل مساواتهم بمناطق الاصطياف، ولتخفيف ساعات الظلام وزيادة ساعات النور، وهم يرون أنهم مستحقون للأمر زيادة عن باقي المناطق لأنهم يتحمّلون الأضرار البيئية الناجمة عن وجود معامل الكهرباء في منطقتهم.
لكن المفارقة أن وجهة الاعتراض والضغط التي يمارسها أهالي المنية ــــ دير عمار، أو بعضهم، على الدولة، أتت وتأتي في الاتجاه الخاطئ. فلا مناطق الاصطياف تتأثر بقطع طريق عكار، المتنفس والشريان الحيوي الوحيد الذي يربط عكار بطرابلس وبيروت، ولا مواقع القرار في ما يبدو بدورها شديدة الحساسية والتأثر بحركات الاحتجاج والاعتراض.
هكذا، على امتداد عشرات الكيلومترات، انطلاقاً من وادي خالد أو من عكار العتيقة أو من العبودية مروراً بأغلب قرى وبلدات عكار وصولاً إلى العبدة، كان المشهد يروي حكاية تتفاوت فيها معاناة العكاريين.
«فانات» أبناء وادي خالد وباصاتهم أفرغت ركابها في العبدة. كان على الركاب أن يقطعوا ما بين ثلاثة وخمسة كيلومترات سيراً على الأقدام ليتجاوزوا العوائق الحديدية والإطارات المشتعلة، وعلى السائقين إنهاء نهار عملهم في الثامنة صباحاً وركن فاناتهم، أبواب رزقهم، في المنازل. في القبيات تجمع بعض الموظفين الرسميين لشرب القهوة و«الصبحية»، فقد جاءهم نهار عطلة جديد بعد الأحد و«الحجة على الطريق المقطوعة». لا يخلو أي من مفارق الطرق المؤدية إلى أغلب القرى والبلدات من شخص يحمل هاتفه النقال، هو يحاول الاستعلام عن إمكان وصوله إلى طرابلس، إذ لأكثر من مرة قطعت الطريق نصف ساعة أو ساعة ثم عادت لتفتح لاحقاً.
حركة العساكر والقوى الأمنية على أوتوستراد المنية لا تفصح عن نتيجة محسومة. الملالات وحاملات الجند تتحرك ذهاباً وإياباً. وبين الحركة والذهاب تتناقل ألسن ركاب السيارات المتجمّعة بجوار العبدة أخباراً متناقضة. ستفتح الطريق، لن تفتح الطريق، الجيش سيفتحها عنوة، بل هناك مفاوضات. وتكثر الشائعات أو التقديرات عن احتمال وجود طرق فرعية مفتوحة، فيبدأ الرهان على صعوبة تجاوزها مقابل الانتظار ريثما ينهي المعتصمون احتجاجهم. في أفران القصر بجوار مخيم نهر البارد يجلس عامل فلسطيني ينصح أحدهم إذا كان معه هوية لبنانية بالمرور عبر المخيم وسلوك الطريق البحري، فتنتفض مسؤولة المبيعات وهي من دير عمار قائلة: هل تريد تسهيل الحركة لتخريب الاحتجاج ضد انقطاع الكهرباء في منطقتنا؟
مجموعة من الركاب تقبل نصيحة الفلسطيني، فتتوجه نحو مخيم نهر البارد. هناك، على مدخل ما كان يسمى المخيم الجديد، على الركاب ركن الفان جانباً والتوجّه مترجلين نحو غرفة لاستخبارات الجيش اللبناني. يسلّمون الهويات وعليهم الانتظار. ثلاثة أرباع الساعة وجواب واحد من طرف عنصر الاستخبارات: «دقيقتين ويأتي الرد». «طيّب». يقول أحد الركاب: «أعطني هويتي ولم أعد أرغب في دخول المخيم ولا في الذهاب إلى عملي فقط أريد العودة إلى المنزل». الجواب نفسه لا يتغير من جانب الاستخبارات: «دقيقتين...».
تقف الطالبة ملوك سحمراني بين العساكر والجنود: «لقد فات أوان امتحاني أرجوكم...»، ولكن ملوك لم تكن تدري أن من واجبها أصلاً تقديم الهوية ومن ثم الانتظار. بشيء من «المَونة» يتمكن أحد العساكر من تمرير هويتها حتى لا يطول انتظارها أكثر من ساعة واحدة كما هي حال مجموعة الركاب الأولى.
تعبر السيارات حواجز الاستخبارات، فيستعيد أبناء المخيم مشهداً افتقدوه منذ أكثر من ثلاث سنوات، فلأول مرة منذ الحرب التي وقعت بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام تشهد شوارع المخيم حركة سير أو بعض الازدحام. داخل ما يعرف بالمخيم القديم اختفت الطريق الرئيسة لتحل محلها أكوام من الركام، وعليها بدأت تظهر علائم إعادة إعمار المخيم. لذلك عليك بالانعطاف يميناً ويساراً أكثر من مرة، وبالاستناد تكراراً إلى سؤال أبناء المخيم عن الطريق البحرية المؤدية إلى المنية، وإلا فمن المحتمل أن تخطئ الطريق، فتقع مجدداً في شباك الدواليب المشتعلة على أوتوستراد المنية الرئيسي.
في الأصل للناس حقهم في الاحتجاج، ولكن هذه المرة لم يعد معروفاً من أين يبدأ احتجاجهم، وإلى من هو موجّه. ومنذ أسبوع اعتصم العكاريون احتجاجاً على قطع طريق المنية وتجمّعوا في دوار العبدة، وكان من بينهم رئيس التجمع الشعبي العكاري النائب السابق وجيه البعريني الذي شكا من أن «القطع المتكرر للطريق يلحق أضراراً بأهالي عكار، وخصوصاً في نهاية الأسبوع حيث يكثر عدد الزوار وترتفع حركة الأهالي القاصدين عكار وطرابلس». وفي السياق ذاته اعتبر رئيس اللقاء الاقتصادي في عكار خالد سعيد الحايك «أن قطع الطريق العام في المنية، يمثّل ضرراً كبيراً على أهالي عكار...». فهل يتحول انقطاع التيار الكهربائي سجالاً مناطقياً بين عكار والمنية؟


الاعتداء على الإعلام

في مرة سابقة حاولت «الأخبار» تصوير المحتجين بغية إيصال صوتهم إلى الرأي العام وتظهير المشاكل التي يعانونها بسبب الانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي والتقنين القاسي الذي يعانونه، فانتفض أحد منظمي الاحتجاج مهدّداً بتكسير آلة التصوير. أمس لم «نُعدها»، لكن السؤال يُسأل: إلى متى التعاطي مع وسائل الإعلام كأنها عدو؟ وإن كان المحتجون يقطعون الطريق «لإيصال الصورة»، كما يقول بعضهم، ألا يجدر بهم بداية أن يتركوا المراسلين يصوّرون؟