في الجامعة قصص لا تتعلق دائماً بطلابها، بل بمبانيها وبموظفيها أيضاً. علي عبد النبي أحد هؤلاء، يتقاعد اليوم بعد 40 عاماً من العمل في الأميركية
حكمت بعيني
يستعدّ أحد أقدم موظفي الجامعة الأميركية في بيروت، علي عبد النبي، لانتهاء خدمته التي استمرت أربعة عقود. بدأ خدمته في الجامعة في عام 1969 في قسم الصيانة المنزلية، في نهاية عقد شهد أحداثاً عالمية مميزة، مثل هبوط أول إنسان على سطح القمر، وأول عملية زرع لقلب اصطناعي. ولكن، ذلك العقد شهد أيضاًً حرب فييتنام الدامية وانتفاضة الطلاب في العالم. وقد بلغ التململ الطالبي الحرم الجامعي اللبناني في حينها، حتى احتلّ عدد من الطلاب بعض المباني فيه. وبما أن عدد أعضاء مكتب الحماية آنذاك لم يكن يتجاوز أربعين شخصاً، نُقِلَ بعض أفراد خدمة الصيانة المنزلية، وبينهم علي، إلى حراسة مداخل بعض الأبنية الجامعية. وكانت أول تجربة مباشرة له عندما نجح بدبلوماسية في إقناع عدد من الطلاب، خلال الحراسة في عام 1971، بالتراجع عن دخول مبنى كلية الزراعة والعلوم الغذائية بعد منتصف الليل. وقد أُعجب عفيف صغيري، رئيس مكتب الحماية آنذاك، بتصرّف علي، فطلب منه أن يلتحق بفريق مكتب الحماية، وهذا ما حصل. ولا يزال علي يتذكر أول مرة ارتدى فيها الزي الرسمي للحرس، كما أنه لا يزال يتذكر أول جولة تدريبية قام بها للتعرف إلى معالم الحرم الجامعي. في هذا الوقت، كانت عواصف الحرب قد بدأت تهب خارج أسوار الحرم الجامعي.
خلال الحرب كنت اضطر أحياناً إلى النوم في الجامعة
كانت الاشتباكات المسلحة في أيار 1973 تنذر بالحرب اللبنانية الطويلة التي اندلعت في نيسان 1975. ويقول علي إنه خلال خدمته الطويلة على مدخل طوارئ مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، شاهد الإصابات العديدة، بين جرحى وقتلى، تصل إلى قسم الطوارئ بما تيسّر من وسائل نقل. لم ينس علي مشاهد المسلحين الغاضبين الذين كانوا يهددون الأطباء والموظفين في المستشفى. ويقول إنه كان يضطر في الكثير من الأحيان إلى أن ينام في الجامعة لتعذّر وصوله إلى قريته بسبب خطورة الوضع الأمني وإقفال الطرقات. فالجامعة بالنسبة إليه هي المنزل. ومن الأحداث المهمة التي يتذكرها علي ما حصل يوم طلب إليه أحد رؤسائه في العمل، جوزف عبد الكريم، أن يذهب مباشرة إلى بوابة الحرم الجامعي من ناحية البحر، حيث كان بعض المسلحين يحاولون الدخول إلى حرم الجامعة. اقترب منهم يومها وبدأ بالحوار معهم بطريقته الدبلوماسية، وقال لهم: «أنا لا أستطيع أن أمنعكم من الدخول إلى حرم الجامعة، ولكن هناك موظفون في الداخل من المدنيين والنساء. فهل تريدون أن يقال إن حزبكم يروّع الناس؟». بسحر ساحر، توقّف المسلحون. ثم وصل بعدها رئيسه المباشر آنذاك، وهيب ضو، وتابع الحوار معهم إلى أن اقتنعوا بالتراجع عن عزمهم على دخول حرم الجامعة. يتذكر علي الأحداث الأليمة التي أصابت الجامعة في تلك الفترة، وخصوصاً حادث اغتيال رئيس الجامعة مالكوم كيرر في 18 كانون الثاني 1984، وكان علي يناوب ذلك اليوم أمام مستشفى الجامعة. ويتذكّر كذلك سقوط عشرات القذائف على الحرم الجامعي في صيف 1989.
يقول علي: «لقد شاهدت الجامعة تتحمل الخسارة المؤلمة وتمشي قدماً». والآن، وهو على أبواب التقاعد، يعبّر عن شعوره بالعرفان والحب لتلك المؤسسة فيقول: «أتمنى لو أستطيع الاستمرار بخدمة الجامعة. أنا أحب هذه المؤسسة التي ساعدتني كي أنشئ عائلة، وإنني أعدّ كل مبنى وكل شجرة في الجامعة جزءاً مني. لم يكن لي مشكلة في أيّ يوم من الأيام مع أحد فيها، ولم أتغيّب عن عملي يوماً، ولم أرد يوماً أن أتغيّب عن العمل. لقد أدّيت واجبي بكل شرف».