ما زالت أصداء الحملة على المخدرات، التي دق ناقوس خطرها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله منذ أشهر خلت، تتردد في أحياء الضاحية الجنوبية وشوارعها. ولكن للحملة كما يبدو وجه آخر أسود، لم يحقق فيه المنظّمون تقدماً ملموساً، بدليل استفحال انتشار الآفة بين شباب المنطقة، الذين سقط منهم 4 بجرعة قاتلة
منهال الأمين
أمس انضمت الحدث إلى حملة مكافحة المخدرات تلقائياً. هكذا اختارت بلديتها، على خلفية أول نشاطات المكتب الاجتماعي البلدي الذي افتتحته أول من أمس بدعم إسباني ـــــ إيطالي وبالشراكة مع مشروع «آرت غولد» التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن تجعل مكافحة تعاطي المخدرات وترويجها بين شباب البلدة أولوية قصوى. هكذا، اختارت أن تمشي «عكس تيار الآفة» بمسيرة انطلقت أمس من دار البلدية مساءً تحت عنوان «الحدث تمشي ضد المخدرات».
عضو بلدية الحدث المحامي جورج حداد يشرح لـ«الأخبار» أن المكتب الاجتماعي أنشئ على خلفية مبادرة «يو ان دي بي» لمساعدة 7 بلديات في قضاء بعبدا، هي: حارة حريك وبرج البراجنة والغبيري والمريجة وفرن الشباك والشياح والحدث، أي بلديات الضاحية الجنوبية. وفيما توجّهت كل بلدية نحو مطلب محدد يعنيها، صحياً أو تربوياً أو بيئياً، ارتأت الحدث طلب مساعدة اجتماعية شبابية، «فكان المكتب الاجتماعي». وتحتل مشكلة المخدرات حيّزاً كبيراً في اهتمامات المكتب، الذي تتضافر جهود وخبرات مجموعات عدة في تشغيله، وخصوصاً الجهات الأوروبية المتمثلة بجهات أكاديمية وأهلية وبلدية ومنظمات غير حكومية من كل من إيطاليا وإسبانيا. وتسهم هذه الجهات، وفق حداد، في تقديم تجربة عملية لإدارة الملف، حسب خبرتها في بلادها، إضافة إلى دعم مادي بسيط. كذلك يعتمد المكتب على مشاركة جمعيات محلية كجمعية «رياضيون ضد المخدرات»، و«سيدة الأمل» التي ستنفذ في مرحلة لاحقة المشروع، بعد حملة التوعية عبر «برنامج تأهيل المدمنين واحتضانهم ومعالجتهم، على أمل إيجاد مناخ تعبئة شعبية ضد المخدرات». المسيرة إذاً، التي مشى فيها العشرات من أهالي الحدث مساء أمس، كانت باكورة نشاطات البلدية، بالتعاون مع «آرت غولد»، في محاولة «لرفع الصوت عالياً للتنبيه من أخطار محدقة بكل بيت، ولحثّ الجمهور على الانضمام لإصلاح اعوجاج خطير طرأ على النسيج الاجتماعي للبلدة، وتحديداً بين صفوف الشباب، حتى تجاوزت مذكرات التوقيف والبحث والتحري الصادرة بحق «مروّجين ناشطين» من المنطقة أربعين مذكرة، بحسب حداد أيضاً، الذي يكشف عن حصول أربع حالات وفاة خلال العامين المنصرمين، في صفوف شباب من أبناء الحدث «جرّاء جرعة زائدة من المخدرات»!
ويرى حداد أن الموضوع «يتطلب العمل على جبهتين: الأولى تتعلق بالتوعية والمعالجة الصحية والنفسية للمدمنين، والأخرى بالمعالجة القضائية وملاحقة المروّجين»، مشدداً على أن «هؤلاء هم المجرمون الحقيقيون، أما المدمنون فهم ضحايا ابتزاز اجتماعي ـــــ نفسي، يجب التعامل معهم على أساس أنهم مرضى بحاجة إلى رعاية جمعيات متخصصة ومتابعتها».
الحالة غير مستوردة من الخارج، فالمدمنون من كل الفئات
ويلفت حداد إلى أن الحدث مركز تربوي يضم عشرات المدارس ونحو 15 ألف تلميذ، هم في الواقع 15 ألف هدف مفترض للمروّجين»، ورصدنا حالات كثيرة من التعاطي في عدد من المدارس». وشدد على أن «الحالة غير مستوردة من الخارج، فالمدمنون هم من كل الفئات، ولا مؤامرة على البلدة في ما يحدث، لكن البلدة عرضة كمحيطها تماماً». ويروي حداد ما يصفها بـ«فظائع» أقدم عليها بعض هؤلاء المدمنين؛ «فأحدهم سحب قارورة الغاز أثناء طهو أمه للطعام، ليبيعها ويحصل على حبوب الهلوسة أو السجائر المخدرة أو البودرة البيضاء»! ويضيف: «نتوقع أن يحاول هؤلاء السطو على جيرانهم لسلبهم 50 دولاراً أو 100 دولار ثمن المعلوم». وكان حاضراً، أول من أمس، في افتتاح المكتب، الشيخ توفيق علوية، الناشط في مجال التوعية الدينية على مضار المخدرات والحثّ على اجتنابها وتأكيد حرمة ترويجها وزراعتها والاتجار بها. ويقول علوية إن لديه برنامجاً أسبوعياً حافلاً، يتنقّل خلاله بين مساجد الضاحية وأنديتها ومجمعاتها الثقافية لإعطاء محاضرات، معظم حضورها من الشباب، لتبيان الأحاديث النبوية الصريحة في التحذير من هذه الآفة. كذلك تعتمد محاضرات علوية على «توضيح مقاصد الشريعة في موضوع المخدرات لناحية الحفاظ على العقل والتعقل وأحكام الخمر والمسكر وغيرها». ويتركز نشاط علوية في برنامج ينظّمه حزب الله في الضاحية الجنوبية منذ أشهر. ويلفت إلى أنه «لا خيمة زرقاء فوق رأس أحد»، ناقلاً أن طلبات وجّهت إلى حزب الله من زعماء سياسيين لتشمل حملة الحزب على المخدرات مناطقهم التي «أصبح مناصرونا فيها لا يستيقظون من تأثير المخدرات صبحاً ولا عشية».
رئيس بلدية الحدث جورج عون تحدث لـ«الأخبار»، على هامش افتتاح المكتب، فرأى أن «ما نتحدث عنه هو أمر بات يدق كل بيت ونحاول مساعدة الناس ليلتفتوا إلى خطورة ما يحيط بهم». وقد أعلن السفير الإسباني في لبنان خوان كارلوس غافو، الداعم الرئيسي لبرنامج الأمم المتحدة، في افتتاح المكتب، أن بلاده أنفقت مليون يورو في لبنان وحده، من أصل 12 مليون يورو أنفقتها حول العالم ضمن مبادرة «آرت غولد» لعام 2010. ولكن، أليس هناك إحصاءات رسمية عن أعداد المتعاطين؟ ينفي عون وحداد هذا الأمر. بدورها مديرة مشروع «آرت غولد» في الضاحية الجنوبية ماري ألين قصارجيان أشارت إلى أن «يو ان دي بي» تساعد البلدية من خلال المكتب الاجتماعي للتصدّي لهذه الظاهرة والإحاطة بكل جوانبها. وتشير إلى أن برنامج «آرت غولد» بدأ عمله في الضاحية منذ 2007، من خلال المبادرة إلى استبيان حاجات البلديات السبع ومحاولة تلبية أكبر قدر منها، وذلك بحسب حاجة كل بلدية وأولويتها على حدة. وتلفت إلى وجود تعاون كبير من جانب هذه البلديات، «ما دامت وجهة العمل تبقى إنمائية بامتياز».