في خطوة هي الأولى من نوعها، قرر وزير الثقافة سليم وردة أن يرعى بنفسه إطلاق الحملة الإعلامية لدعم إقرار مشروع قانون حماية الأبنية التراثية الذي سيناقشه في البرلمان. موعد الاجتماع كان البارحة في قصر اليونسكو، وحضره عدد من الناشطين في الجمعيات المدنية المعنيّة بالتراث، مثل جمعية أبساد (APSAD) والمؤسسة اللبنانية للتراث. إطلاق الحملة أتى بدعم من حزب الخضر اللبناني الذي قدّم رئيسه فيليب سكاف الفيلم الدعائي الذي سيعرض على محطات التلفزة، والذي يمثّل بحد ذاته مشكلة كبيرة. تقوم فكرة الفيلم الدعائي على تصوير البيوت التراثية باعتبارها أشخاصاً، وينطبق عليها ما ينطبق على الإنسان من حياة وموت. ويصوّر الفيلم الدعائي شواهد قبور على كل منها صورة أحد بيوت تراثيّة من لبنان. يحمل الفيلم رسالة مفادها أن عملية تدمير البيوت التراثيّة هي عملية قتل. والقاتل معروف ويقف في مكان الجريمة أو المقبرة، وهو البرج. الفكرة جديدة بالنسبة إلى فيلم دعائي، لكنّ الصورة مألوفة جدّاً في الأفلام الأميركيّة، وخصوصاً النيويوركية التي تصوّر المقابر وخلفها أحياء مانهاتن.
قد يُغض النظر عن الفكرة المقتبسة، لكن ما لا يمكن التغاضي عنه هو الخطأ العلمي الرهيب الذي وقعت فيه الحملة. فالصور المعروضة على الشواهد هي لبيوت لا تزال على «قيد الحياة» في وسط بيروت! فمن سيتابع الحملة سيصعق حينما يرى خلال زيارته أن البيت الزهري في ساحة رياض الصلح، وبيوت الداعوق والجميزة قد باتت «صوراً» على شواهد القبور. في حين أنها ليست حتى بخطر، وقد أُنجز ترميمها وتحديثها، وتُضرب فيها الأمثال عن أهمية الحفاظ على التاريخ.
أما الخطأ الثاني الفادح لهذه الحملة، فهو التواريخ التي وضعت تحت صور تلك البيوت على شواهد القبور، باعتبارها تؤرّخ لولادتها ووفاتها. لكن في الحقيقة، إنها مجرد أرقام اختارها المخرج من دون التفكير في دلالاتها وأبعادها. كأن يُصوّر منزل من مواليد 1810، فيما طرازه الهندسي يعود إلى الثلاثينيات من القرن العشرين!
عرض الفيلم بشكله الحالي وإبراز الصور من دون التدقيق بها كفيلان بتفريغ الحملة من أهميتها، إذ إنهما يبرزان المنظمين كأنهما هواة! حينما يكون خصمك رأس المال أقل ما يمكن إنجازه هو أن تكون خطواتك ثابتة وواثقة... ومحترفة.
والمحزن أن وزارة الثقافة وضعت اسمها وشعارها على هذا الملصق المغالط، والغريب أن هناك شعارين لمجموعتين على Facebook مجهولتين في الوطن. وغاب عن الملصق شعار بلدية بيروت المعنية أولاً بالمحافظة على البيوت، كذلك غابت نقابة المهندسين... المعنيّة بهذا التراث وبالمدينة عموماً. إضافة إلى غياب جمعية «مجال» الناشطة في هذا الحقل.
وقال الوزير وردة أمس إن «مسؤولية الحفاظ على التراث لا تقع على شخص أو مؤسسة أو وزارة، بل هي مسؤولية جميع اللبنانيين. لذا، ليس مقبولاً تأجيل أو عدم إقرار قانون الأبنية التراثية». وشدد على أنه «لا مستقبل من دون جذور وتراث، وعندما نهدم منزلاً تراثياً إنما نهدم جزءاً من هويتنا اللبنانية، وهذا لا يمكن التهاون به». ولفت وردة إلى أن «هناك محاولات يومية لهدم بعض المنازل، لكننا نقف لهم بالمرصاد. حتى البيوت غير المصنفة، التي تحمل رمزية تراثية بات هدمها ممنوعاً في بيروت والمناطق اللبنانية كلها».
وأعلن أن لدى الوزارة خطاً هاتفياً ساخناً للتبليغ عن أي محاولة لهدم مبنى تراثي والاتصال على الرقم 612299ـــــ01 للتحرك الفوري ووقف عملية الهدم.
ورأى أن «الحملة الإعلامية هي الخطوة الأولى التي إن لم تجد تجاوباً فسندعو إلى تحرك مدني ثقافي نعلنه في حينه». وهذا التحرك للضغط على البرلمان لإقرار القانون. فوردة يريد دخول مبنى ساحة النجمة مزوّداً بضغط شعبي يضع النواب أمام واجب وطني تاريخي بحيث يصبح معيباً عدم إمرار القانون.
ج. ف.ب.