في القرى، يطلق بعض كبار السن وصف «أبو كمونة» أو «أم كمونة» تندّراً على من يحمل صفة البخل. لم يأت التعبير من الفراغ، بل فيه إشارة لصفات أكلة «الكمونة» البسيطة والسريعة وغير المكلفة مادياً. فقد كانت هذه الأكلة رفيقاً دائماً للفلاحين وللعمال لا تفارق زواداتهم، بسبب ملاءمتها لظروف عملهم القاسية، فهي لا تفسد في الحرّ، مهما أضيف إليها من مكونات (كالعدس والبطاطا أو البندورة)، ولسبب آخر هو أن هذه المكونات متوافرة على مدار المواسم والفصول وهي غير مرتفعة الثمن. لكن، بالنظر إلى مكوّناتها، تعتبر طريقة تحضيرها صعبة رغم بساطتها، لأنها تتكوّن من أعشاب تغيّر طعمها تماماً إن لم تكن بلدية ومنتقاة بعناية، كما يجب اختيار الصنف الذي يضاف إليها بدقة. فكمونة البندورة، مثلاً، تشترط أن تكون حبات البندورة حمراء وذات مذاق حلو، وهو ما لا يتوافر في بندورة الخيم البلاستيكية. من هنا، فإن كبار السن والفلاحين يصنّفونها كوجبة صيفية ترتبط بنضوج موسم البندورة البعلية. أما الكمونة نفسها، فهي تُعَدّ من حبوب الكمون التي تُدَقّ مع البصل الأخضر والمردقوش والنعناع والحبق والبقدونس والملح والبهار الحلو والأسود والقرفة وبراعم الورد الجوري اليابس والفلفل الأحمر. ولإعداد «كمونة البندورة»، يضاف إلى الخليط البرغل الناعم الذي «انتقع» بمزيج البندورة المقشرة والمفروكة، ثم تهرس جميعها وتغمس بزيت الزيتون.
وبالطريقة ذاتها، تصنع كمونة البطاطا، مع استبدال البندورة بالبطاطا المقشرة والمسلوقة، فيما يبلل البرغل بماء العدس المسلوق لتحضير «كمونة العدس» التي ينتشر تناولها في الشتاء بسبب حماوتها.
كانت ميزة الكمونة سابقاً أنها تدق بالـ«دقماقة» الخشبية على بلاطة ناعمة. أما منذ سنوات، فقد استعاضت معظم النسوة عن البلاطة، بالخلاطة أو الفرّامة الكهربائية، بالضبط كما حلّ باللحمة أو الكبة النية.
تجدر الإشارة إلى أن البرغل يُعَدّ بعد نضوج بيادر القمح الذهبية التي تُحصَد وتُدرَس قبل شهر تموز، حيث يُسلَق القمح بـ«الخلئينة»، وهي عبارة عن دست نحاسي ضخم يستوعب عشرات الأمداد من حبات القمح (كل مدّ يساوي 14 كيلوغراماً). بعدها، تُحمَل الحبات المسلوقة الناشفة إلى أسطح المنازل حيث تُفرَش تحت الشمس أياماً عدة حتى تيبس، لتتم بعدها عملية «التنقاية» والجرش. وللحفظ، يعبأ القمح بأكياس قماش بيضاء تمنحه برودة في غرفة المونة لكي لا يرطّب فيعفن ويفسد.
وبينما يستخدَم البرغل الناعم في إعداد مختلف أنواع الكمونة، كما في الكبة النية والتبولة، يُستَخدَم الخشن منه في تحضير المجدرة الحمراء والبرغل بالبندورة والكشك.
آ.خ.