رغم أن القاعدة الشرعية تمنح الأم حقها بحضانة ابنتها التي لا تزال ضمن سن الحضانة، إلا أن المحكمة الجعفرية في بنت جبيل سلبت «حقها الشرعي» لتمنحه للوالد، ما يندرج في سياق جملة «التجاوزات»، التي تعتري عمل المحاكم الشرعية
سوزان هاشم
انفصل هادي (اسم مستعار) عن زوجته سعاد (اسم مستعار). يومها لم تكن طفلتهما قد تجاوزت حينها السنتين، واتُّفق رضائياً بين الزوجين على أن تبقى حضانتها مع الوالدة. وهذا ما حصل فعلاً خلال 3 سنوات مضت. في الفترة الأخيرة التقى الأب ابنته، كما جرت العادة، إذ كان يلتقيها أسبوعياً، ولكنه لم يعدها إلى حضن والدتها بل اختطفها منها.
ادّعت الوالدة على زوجها السابق لدى المحكمة الشرعية الجعفرية في بنت جبيل، مطالبةً باسترداد الطفلة وحضانتها. تذرع الأخير بأن الطفلة تعاني عوراض رئوية، واعتبر أن الإقامة في منزل والدتها في بنت جبيل الجنوبية تسيء إلى وضعها الصحي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأب يعيش في الضاحية الجنوبية التي لا تبعد عن البحر وتعرّض الفتاة للرطوبة العالية، إضافة إلى أن نسبة التلوث في الضاحية أعلى منها في بنت جبيل. طالب هادي بحضانة طفلته ذات الخمسة أعوام، مستنداً إلى رأي المرجع الشيعي السيد السيستاني بشأن سن الحضانة والمحدد فقط بسنتين للولد ذكراً كان أم أنثى. بيد أنه «حفاظاً على مصلحة القاصر وتوثيقاَ لعلاقة الأصول بفروعهم واستناداً لحق الوالدة في حضانة أولادها قبل السنة السابعة من عمر الابنة»، قررت المحكمة الجعفرية في قرار تمهيدي مؤقت، اعتبار سعاد أي الوالدة هي الحاضنة لابنتها. قرارٌ لم تستقم عليه المحكمة نفسها طويلاً، ففي مفارقة لافتة عادت المحكمة وأبطلت قرارها لدى اعتراض الجهة المدعى عليها عليه. واستندت المحكمة في حكمها إلى «الرأي المعمول به شرعاً، من أن للأب الحق في حضانة ولده البالغ سنتين ذكراً كان أم أنثى»، سالبةً الأم حقها في حضانة طفلتها بعد منحها للأب. قرارٌ يعتبره الكثير من الحقوقيين سابقة جديدة في الأحكام الشرعية، إذ يرى رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المحامي نعمه جمعة، أن القرار المذكور «يخالف اجتهاد المحاكم الشرعية في لبنان على امتداد تاريخها، ومنذ ولاية العالمين: الشيخ محمد جواد مغنية، والشيخ عبد الله نعمه وانتهاءً بالعالم الشيخ حسن عواد وفتاوى العلامة السيد محمد حسين فضل الله التي تنحو في الاتجاه نفسه، والتي تقضي برفع سن الحضانة إلى سبع سنوات للذكر والأنثى». ويردف نعمه قائلاً إن القرار «يتنافى مع التوجه العام لحركة التشريع في

استندت المحكمة إلى «أن للأب الحق في حضانة ولده البالغ سنتين»
لبنان وتحديث القوانين. إذ إن لبنان قطع شوطاً متقدماً في هذا المجال بدليل اعتماده الاتفاقية الدولية لحماية الطفولة منذ عام 1990، التي تعتبر الطفل هو صاحب الحق الأول بالرعاية». يُشار إلى أن الهيئة الشرعية الإسلامية المؤلّفة من قضاة يعملون في حقل القضاء الجعفري والسني، اقترحت رفع سن الحضانة إلى ما يتجاوز المعمول به حالياً. علماً بأن القضاء السني يعطي الأم حقها في حضانة أولادها حتى التسع سنوات للإناث وسبع سنوات للذكور، أما القضاء الجعفري (الشيعي)، فيمنحها هذا الحق لحين بلوغ الأنثى سبع سنوات والذكر سنتين فقط، والنائب سمير الجسر كان قد تقدم إلى مجلس النواب بمشروع قانون يقضي برفع سن الحضانة.
القرار الأخير يضع علامات استفهام حول أداء المحاكم الشرعية في لبنان، تلك المحاكم التي أنشئت استثنائياً عام 1963، ولا تزال قائمة حتى اليوم، وهي تطبق القواعد الشرعية في ما هو متعلق بالأساس، أما الأصول المتبعة في الشكل، فتخضع إلى إجراءات خاصة.
يرى المحامي جمعة أنه من المفترض أن تكون وزارة العدل هي المرجع في تعيين القضاة الشرعيين وليس مجلس الوزراء كما هو السائد، وذلك تعزيزاً لكفاءة القضاة الشرعيين، متسائلاً «ماذا يدرس هؤلاء غير الشريعة والقرآن؟ مع العلم أنه يجب عليهم الإلمام على الأقل بمواد القانون اللبناني الذي يدرّس في كليات الحقوق، أسوة بالقضاة اللبنانيين».