بات المشهد مألوفاً مع كل صيف. إحراق للإطارات المطاطية وقطع للطرقات احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي. أمس اتسعت رقعة الاحتجاجات وطبيعتها، حيث جرى في بعضها إطلاق للنار. يكرّر المسؤولون تبريرهم التقليدي... «هو نقص الإنتاج»
محمد نزال
«نحن بشر أم حشرات؟ بدنا نفهم»... هكذا كان يصرخ الشاب أحمد ش. ليل أمس في وجه أفراد من قوى الأمن على طريق المطار. حاول رجال الأمن قمع أحمد ومعه عدد من رفاقه، بعدما كانوا قد أضرموا النار في مستوعبات النفايات وإطارات السيارات، قاطعين بذلك الطريق احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي الحاصل نتيجة التقنين القاسي الذي تعانيه المنطقة، والذي ازدادت معه طين المعاناة بلّة في ظل موجة الحرّ الشديد التي يشهدها لبنان. لم يستطع رجال الأمن إخماد «انتفاضة» نحو 200 شاب نزلوا إلى الشارع هرباً من الحرّ، فاستُدعيت قوة من الجيش اللبناني عملت على تفريق المتظاهرين، قبل أن يخمد إطفائيّو الدفاع المدني النيران بعد نحو ساعتين. غادر أفراد الجيش وقوى الأمن المكان، لكن المتظاهرين عادوا واجتمعوا على بعد نحو 100 متر وأضرموا النار مجدداً. عادت دورية الجيش، فبدأت بمطاردة الشبّان المحتشدين، ففرّوا إلى داخل زواريب وأزقّة الرمل العالي. انتظرت دورية الجيش في المكان نحو ساعة، قبل أن تغادر. لكن المسلسل لم ينته هنا، فعند الساعة الـ3 والنصف فجراً، عاد الشبّان وقطعوا الطريق بالنيران في نقطة ثالثة، فعادت دورية الجيش واعتقلت عدداً منهwم بعد مواجهات بالأيدي وأعقاب البنادق. حضرت إلى المنطقة دورية ثانية من الجيش، نظراً لزيادة عدد المتظاهرين وحجم الشغب على الأرض، الذي امتدّ على طول الخط من مستشفى الرسول الأعظم وصولاً إلى المطار. اضطر أفراد من الجيش إلى مطاردة المتظاهرين إلى داخل الأحياء السكنية، وكل ذلك يحصل تحت جنح الظلام الحالك، في ليلة حارّة لم يكن فيها ضوء قمر. وفي خضم المواجهات، أطلق شخص مجهول النار في الهواء من سلاح حربي، عمد على أثره الجيش إلى نصب كمائن للمتظاهرين المتنقّلين، فانتشر العسكريون عند مداخل الأبنية وخلف بعض الجدران. وبالفعل، تمكّن الجيش من إلقاء القبض على عدد من الشبان، وكذلك أوقف شاب لدى فصيلة برج البراجنة في قوى الأمن الداخلي، قبل أن ينتهي مسلسل الكرّ والفرّ مع بزوغ الفجر.
قبل وصول الجيش، تفاوض ضابط من قوى الأمن بلباس مدني مع المتظاهرين، وحاول إقناعهم بعدم جدوى ما يفعلونه. أحدهم قال له من بعيد: «قل لنا هل انقطعت الكهرباء عن منزلك؟ هل لديك أم تعاني مرضاً في القلب، والضغط، وتكاد تفارق الحياة الآن بسبب الحرّ؟ أم لديك مولّدات كهربائية خاصة لا تغيب معها الكهرباء عن منزلك لحظة واحدة؟». رد الضابط بهدوء على الشاب المنفعل، قائلاً: «أنا مثلي مثلكم، نحن كلنا من هذا الشعب صدقوني». ومع وصول دورية الجيش، وصلت سيارة من نوع «مرسيدس» فصعد الضابط فيها وغادر المكان. غير أن منظر السيارة الموصدة الشبابيك، والممتلئة بالهواء البارد، لم يمر دون أن يلاحظه المتظاهرون، فكالوا للضابط الشتائم والسباب بعدما غادر بسيارته.
أثناء التظاهر، وقبل انتقال الجيش إلى خطوة المطاردة الراجلة، وصل مسؤول في أحد الأحزاب الفاعلة في المنطقة، وخاطب المتظاهرين بالقول: «نتفهم غضبكم، ولكن عبّروا عن ذلك بطريقة حضارية». لم يستطع أن يكمل المسؤول حديثه، إذ قاطعه الشاب المتظاهر توفيق ح. صارخاً: «تطلب منّا أن نعبّر بطريقة حضارية؟ قل لي هل انقطاع الكهرباء ونحن في القرن الـ21 هو أمر حضاري؟ كفانا مزايدات بعضنا على بعض».
متظاهر تساءل كيف يكون الاحتجاج حضارياً؟ هل انقطاع الكهرباء في القرن الـ21 أمر حضاري؟
المشهد على طريق المطار أمس لم يكن الوحيد من نوعه، إذ إنّه تكرّر في منطقة عكار، وهناك نصب عدد من المتظاهرين خيماً على الطريق العام لمنع مرور السيارات، وكذلك فعل مواطنون آخرون في منطقة دير عمار، قبل وصول القوى الأمنية واحتجاز عدد منهم. قطعت عدد من الطرق في منطقة الشمال أمس، ما اضطر الأهالي إلى مناشدة الجيش والقوى الأمنية التدخل لإعادة فتح الطرق، بعدما احتُجز عدد كبير منهم داخل السيارات. تكرّر هذا المشهد ليلة أمس في أكثر من منطقة، كان أبرزها في طريق الجديدة، المريجة، زحلة، المنية، طرابلس، القبة، حلبا، برقايل.
اتصلت «الأخبار» بالمسؤولين في مؤسسة كهرباء لبنان، وسألتهم عن سبب هذا التقنين القاسي الذي تشهده أكثر المناطق اللبنانية. لم يكن جواب المسؤولين سوى الجواب التقليدي الذي يُردّد دائماً... «هو النقص في الإنتاج، فمن جهة ازدادت حاجة المواطنين إلى الطاقة في ظل موجة الحرّ التي يشهدها لبنان، من خلال استعمال وسائل التهوية والتبريد، ومن جهة ثانية، فإن كمية الإنتاج بقيت على حالها». حسناً، لكن ما هو سبب نقص الإنتاج؟ يجيب مسؤول في المؤسسة قائلاً: «هذا أمر خارج عن إطار عملنا، فالمسألة تعود إلى الحكومة وإلى قراراتها، وقد تناول الوزير هذا الأمر أكثر من مرة، وتحدّث عن الحاجة إلى بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة بما يتناسب مع الحاجة المتزايدة».
يُشار إلى أن عدداً من المتظاهرين أمس احتجوا على عدم العدل في توزيع التيار على المناطق، فمثلاً لا تغيب الكهرباء عن منطقة بيروت الإدارية سوى 3 ساعات يومياً. وعن سبب هذا التوزيع، يرى مسؤول في مؤسسة الكهرباء «أن مسألة تغذية بيروت الإدارية تعود إلى الحكومة ولا شأن للمؤسسة بذلك، فهي التي قررت ذلك بموجب مرسوم، ولكن هناك عدل ومساواة في بقية المناطق، حتى إنّ بعض المناطق السياحية لم تُخصَّص هذا العام بكمية أكبر من الطاقة».
كانت المؤسسة قد أصدرت بياناً، أول من أمس، أعلنت فيه أن «القدرة الإنتاجية المتوافرة لديها لا تكفي لتلبية الطلب على الطاقة، مما يؤدّي الى عدم استقرار التغذية بالتيار الكهربائي في معظم المناطق اللبنانية، إضافةً إلى توقف استجرار الطاقة الكهربائية من سوريا ومصر بسبب الضغط على الشبكات المصرية والأردنية والسورية». وجاء في بيان المؤسسة، أنه «إزاء هذا الواقع، تضطر المؤسسة إلى تطبيق برنامج تقنين قاس يشمل ساعات الليل على جميع الأراضي اللبنانية، ما عدا بيروت الإدارية»، داعيةً المواطنين إلى «تفهّم الوضع وعدم اللجوء إلى ردود فعل سلبية لن تساعد على تغيير الواقع، بل تزيد الأمر سوءاً، وتخلق جواً من عدم الاستقرار الأمني غير المحمود العواقب».
من جهته، أشار النائب نضال طعمة إلى أنه اتصل بوزير الطاقة جبران باسيل، فأكد الأخير له أن الوزارة «تعتمد برنامج توزيع عادلاً ومتكافئاً للطاقة المتوافرة على جميع المناطق، وهي لا يمكنها لأيّ سبب من الأسباب، وتحت الضغوط أن تعطي منطقة ما، تغطية تفوق غيرها»، مضيفاً أنه «قد تطرأ بعض الأعطال هنا وهناك، أشد ما تحتاج إليه فرق الصيانة هو إمكان التوصّل إلى معالجة المشكلة، فعدم تمكّن عدد من الموظفين بسبب قطع الطرق من الوصول إلى أماكن عملهم يزيد الأمر سوءاً».


ولادة وتأخّر عن الامتحانات

أكّد شهود عيان لـ«الأخبار" أنه سجّلت أمس حالتا ولادة داخل السيارة، بسبب قطع الطرقات في منطقة طرابلس نتيجة احتجاج عدد من المواطنين على انقطاع التيار الكهربائي. أدّى هذا الأمر إلى نشوب خلاف وتلاسن بين المحتجّين وبعض فعّاليات البلدة، الذين تدخّلوا لإعادة فتح الطريق، مشيرين إلى أنّ هذه التصرفات «لن تؤدّي إلى أيّ نتيجة سوى الإضرار بالمنطقة»، ومتخوّفين من «احتمال حصول إشكالات بين أبناء المنطقة وأهالي المناطق الأخرى في المنية وعكار، نظراً إلى ما يلحقه قطع الطريق من أضرار بهم». وسط هذه الأجواء، علق آلاف المواطنين على الطرقات، وتعذّر على الموظفين والعسكريين الوصول إلى أماكن عملهم، إضافةً إلى مئات طلاب شهادة البريفيه، الذين لم يستطيعوا الوصول إلى أماكن إجراء امتحاناتهم. كذلك، أغلقت معظم المحالّ التجارية في البداوي أبوابها (عبد الكافي الصمد)، فضلاً عن المحال التجارية في دير عمار والمنية والعبدة، التي تضررت نتيجة تراجع حركة السير عليها وغياب الزبائن بنسبة كبيرة، إلى جانب تضرر المزارعين، الذين لم يستطيعوا نقل إنتاجهم الزراعي إلى سوق الخضر والفواكه الرئيسي في طرابلس، فأصيب جزء كبير منه بالتلف والكساد.