على وقع عشرات ورش التدريب البلدي القائمة في لبنان اليوم، أطلق برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية UN-HABITAT، بالتعاون مع وزارة الداخلية والبلديات، خريطة طريق تؤسّس لروزنامة وطنية للتدريب البلدي وآلية تنسيق بين الأطراف المعنية بهذا الأمر منعاً للازدواجية ومراعاةً للخلل الجغرافي
مهى زراقط
عندما دعا برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية UN-HABITAT إلى لقاء تشاوري نهاية الأسبوع الفائت عن «إعداد خطة وطنية للتدريب البلدي»، مع أطراف وطنية ودولية معنية بالعمل البلدي في لبنان، كان عدد من ورش التدريب منعقداً فعلاً في أكثر من مكان، كما كانت الدعوات مستمرّة لحضور ورش عمل أخرى والمشاركة فيها. بعض هذه الورش قد تكون متشابهة، وبعضها قد لا يكون له فائدة بالنسبة إلى المتدرّبين، ومنها طبعاً ما لا يعدو كونه «ورشة تجارية» لا تهدف إلى أكثر من الحصول على تقرير نهائي يقدّم إلى الجهات المانحة.
يعي برنامج الأمم المتحدة هذه الأمور، بل هو غاص في ما هو أعمق منها في إطار محاولة وضع خريطة طريق لتعزيز العمل البلدي وتفعيله في لبنان، تأتي في سياق «مشروع تعزيز الحكم المحلي من أجل تفعيل اللامركزية الإدارية في لبنان» المموّل من مكتب التعاون الإيطالي بقيمة 500 ألف يورو ويمتدّ إلى 2011.
تخلو برامج التدريب من الشفافية في اختيار المتدرّبين
هذا الوعي برز في نتائج الدراسات والإحصاءات التي عرضها البرنامج قبل أن يقدّم مدير المشروع طارق عسيران على أساسها خطة العمل التي تتضمن أنشطة على المستوى المركزي ومستوى اتحادات البلديات كما الجهات الداعمة. وتتضمن الخطة إجراءات عملية «تسهم في سدّ الثغَر التي تعوق تطوّر العمل البلدي، وإعداد أرضية لنجاح النشاطات والبرامج المتعلقة بتدريب وبناء قدرات البلديات وضمان استمراريتها ومأسستها». أمّا الخطوات العملية التي قدّمتها خريطة الطريق:
ـــــ دراسة الخيارات الملائمة لاعتماد قانون اللامركزية الإدارية
ـــــ دراسة الخيارات العملية لمساعدة البلديات على تنمية مواردها المالية
ـــــ تفعيل دور وزارة الداخلية والبلديات كمرجعية فعلية للبلديات وتقديم الدعم المطلوب إليها لتمكينها من تأدية هذا الدور بشكل متكامل
ـــــ الحدّ من إنشاء بلديات جديدة صغيرة الحجم غير قابلة للنهوض والاستمرارية
ـــــ حثّ البلديات الصغيرة على تأسيس اتحادات بلديات أو الانضمام إلى اتحادات موجودة
ـــــ إيجاد الحلول الإدارية والقانونية لتوفير الموارد البشرية الكفوءة على مستوى البلديات واتحادات البلديات (مثل تأليف فريق من المرشدين البلديّين، وتأسيس جهاز وظيفي ضمن الاتحادات) والعمل على بناء قدراتها لتمكينها من القيام بدورها الإنمائي.
وقد ركّز عسيران على أهمية التوجه إلى اتحادات البلديات لأن «القانون أعطاها هامشاً أوسع من حيث الإمكانات البشرية والإدارية والمالية، ما يمكّنها من أداء دور قيادي تنموي على المستوى المحلي. كما يمكّن الاتحاد، من خلال إنشاء جهاز وظيفي يضمّ مديراً ومكتباً فنيّاً وجهازاً إدارياً وماليّاً، من سد الثغر الموجودة لدى البلديات الصغيرة المنتسبة إليه، التي ليس لديها أيّ مقومات بشرية ومادية».
وخلصت الخطة إلى اقتراح ثلاثة إجراءات أساسية يتبنّاها المشروع خلال فترة تنفيذه هي «أولاً، تحفيز البلديات على إنشاء اتحادات بلدية، أو حثّ البلديات على الانضمام إلى اتحادات بلدية موجودة. ثانياً، توفير الموارد البشرية الكفوءة من خلال إنشاء فريق من المرشدين البلديّين، وحثّ وتحفيز اتحادات البلديات على تأسيس أجهزة فنية وإدارية (جهاز موظفين). ثالثاً، وضع آلية لتوجيه البرامج التدريبيّة التي ستنفّذ مع البلديات وتنسيقها وتنظيمها.
هذه المقترحات ناقشها الحاضرون، عارضين نقاط قوتها وضعفها. وفيما كانت لافتةً الإشادة بحجم المعلومات التفصيلية التي عرضها البرنامج بعدما أجرى مسحاً لاتحادات البلديات الـ42 في لبنان، سأل المشاركون عن إمكان الاستفادة منها بطريقة توفّر على جهات أخرى تمويل دراسات مماثلة تضيع الجهد والوقت. ومن هنا انطلق الحديث عن أهمية وضع آليات تنسيق وتشبيك تحدّ من الازدواجية في العمل.
الخطوة المقبلة ستكون وضع روزنامة للتدريب البلدي قابلة للتحديث
الازدواجية كانت الملاحظة التي تكرّرت على لسان معظم المشاركين، الذين انتقدوا أيضاً الثغَر التي تواجهها برامج التدريب، بدءاً من اختيار حاجات البلديات، مروراً باختيار المتدرّبين أنفسهم، وصولاً إلى عملية التقويم شبه الغائبة. وتكتسب هذه الملاحظة أهمية مضاعفة لأنها لم ترد على ألسنة رؤساء مجالس بلدية أو أعضائها، بل على لسان ممثّل لواحدة من الجمعيات الدولية التي نفّذت برنامجاً تدريبياً في لبنان، روبير نقولا (وكالة التنمية السويسرية). ذلك أنّ المتابع لعلاقات الجمعيات الأهلية والجهات المانحة بالسلطات المحلية، يعرف أنّ السائد هو اكتفاء تلك الجهات بإتمام المشروع ضمن مهله وموازنته، من دون إجراء عملية تقويم حقيقية لتحديد جدواه، وسبل الاستفادة منه. وقد قال نقولا إنه لم يستمع إلى نقد حقيقي من البلديات التي تعامل معها، بل اكتفى عناصرها بالشكر. وانتقد في هذا الإطار غياب الشفافية في اختيار المتدرّبين «أعددنا دورات كومبيوتر ففوجئنا بسائقي الشاحنات يتدرّبون. لسنا ضد هذا الأمر لكننا نريد أن يتدرّب من سيقوم فعلاً بهذه المهمة».
وفي نقاش لتفاصيل الخطة اقترح قاسم عليق (لجنة العمل البلدي) عوض تحفيز البلديات على الانضمام، «تمكين الاتحادات من أداء دورها. لا توجد مؤسسات تضمن الاستمرارية مع تغيّر مجلس الإدارة. عندما يجتمعون يقسمون الصندوق على أولويات في أذهانهم وليس وفق أولويات بلدية، وهذا ينسحب أيضاً على البلدية التي تصبح عاطلة من العمل عند غياب رئيس البلدية».
من جهته، طالب جيلبير ضومط بوضع شبكة تحدّد المهارات المطلوبة في البلديات، التي على أساسها يجري التدريب، ثم إيجاد آلية للتدريب. عدد من العاملين في المناطق النائية كعكار وبعلبك رفضوا خطة تدريب وطنية شاملة «لأنّ لكل منطقة خصوصيتها وحاجاتها»، وانتقدوا برامج التدريب التي لا تراعي الاحتياجات الحقيقية للبلديات.
الرئيس السابق لبلدية طرابلس، رشيد الجمالي، الذي أدار واحدة من جلسات اللقاء، أكّد أهمية اللامركزية الإدارية في أيّ مشروع يتعلق بالعمل البلدي لأنه «صار من الثابت أنه بقدر ما تمتلك السلطات المحلية إمكانات يحقّق مجتمعها تقدّماً أسرع بكثير من إيلاء السلطة المركزية هذا الأمر». لكنه لم يبدِ تفاؤلاً «لأنّ القوى السياسية تتعامل مع البلديات على أنها أدوات في يدها تقدّم خدمات إلى المواطنين من خلالها». وفيما أشار إلى الفوضى العارمة في برامج التدريب طالب «بوقف إنشاء البلديات لأنها صغيرة ولا تملك مقوّمات الحياة وإعطاء حوافز أكبر للاتحادات».
يذكر أن مديرة برنامج UN-HABITAT، دانيا الرفاعي أوضحت لـ«الأخبار» أنّ الخطوة المقبلة ستكون وضع روزنامة للتدريب البلدي قابلة للتحديث، إيجاد آلية تنسيق بين الإدارات المعنية، ولا سيّما وزارة الداخلية والبلديات بحيث لا تتكرّر دورات التدريب وتراعي الخلل في التوزّع الجغرافي لدورات التدريب، إنشاء فريق من المرشدين البلديين. وكشفت أنّ الطموح الأبعد هو تأسيس معهد للتدريب البلدي المستمرّ، بالتعاون مع وزارة الداخلية والبلديات.


الحجل: توحيد الثقافة البلدية

أعلن المدير العام للإدارات والمجالس المحلية، خليل الحجل، في كلمته التي ألقاها خلال اللقاء أن وزارة الداخلية والبلديات تعمل على إعادة هيكلة المديرية «لمواكبة مشروع اللامركزية الإدارية الموسّعة، الذي من المفترض اعتماده في المستقبل». ورأى أن «إعادة الهيكلة ستؤدّي حتماً إلى توظيف قدرات بشرية جديدة لمواكبة البلديات في وضع الخطط الاستراتيجية للإنماء وتنفيذها. من هنا وعي الوزارة لأهمية التدريب والتوجيه وتوحيد الثقافة البلدية المشتركة وتبادل الخبرات، الذي دفعها إلى إطلاق مبادرة وضع خطة عمل وطنية للتدريب البلدي في لبنان».
وتابع: «وظيفة هذه الخطة تقتضي تحديد قطاعات ومناهج التدريب والفئات التي تستفيد منها، كما تقتضي جمع كلّ مراكز التدريب للتشاور وتطوير البحوث وتوحيد الجهود وربما توزيع المهمّات لتوفير الطاقة والأموال».